ابراهيم الناجي
إن استخدام مصطلح عملية لتحليل الإعلام الأمني يعنى انه يتكون من عناصر متفاعلة فيما بينها بشكل مستمر، كما أنها تتفاعل مع البيئة المحيطة بها بمستوياتها المختلفة بدءاً من البيئة الداخلية التي يتم في نطاقها التخطيط والاعداد للمنتج الإعلامي ومن ثم انتاجه واطلاقه ومرورًا بالبيئة الداخلية المحلية والوطنية ووصولاً إلى البيئة الخارجية الإقليمية والدولية والعالمية.
وعناصر عملية الإعلام الأمني هي ذاتها عناصر أية عملية إعلامية وان كان لكل منها خصائص نوعية معينة تميزها عن عناصر الإعلام العام و مجالات الإعلام التخصصي الأخرى وفيما يلي نعرض بايجاز لعنصر الإعلام الأمني والخصائص النوعية المميزة لها :
1. القائم بالاتصال:
فيما يتعلق بالقائم بالاتصال في نطاق عملية الإعلام الأمني، فيتمثل بالجهات الأمنية المختصة سواء تم ذلك بشكل مباشر أم غير مباشر، وهذا يتم من خلال الظروف التي يتم من خلالها إطلاق الرسالة الإعلامية الأمنية وموضوع الرسالة والجمهور المستهدف، فثمة ظروف تتطلب أن يكون القائم بالاتصال الجهة الأمنية المختصة، في حين تفرض ظروف أخرى استخدام الشكل غير المباشر، كما أن بعض الموضوعات يكون من الملائم أن يتم تناولها من جانب رجال الأمن أنفسهم بينما موضوعات أخرى يكون من الملائم تناولها بواسطة أطراف أخرى، وكذلك الحال بالنسبة للجمهور المستهدف.
واحد الخصائص الحاكمة لفعالية العملية الإعلامية تتمثل في درجة الثقة التي يتمتع بها القائم بالاتصال لدى جمهور المتلقين ومدى قدرته ومهارته في نقل الرسالة ومدى اقتناعه الذاتي وإيمانه بالرسالة التي يقوم بنقلها، وإلمامه بالجوانب الفنية التي يشتمل عليها محتوى الرسالة، وتزداد أهمية مثل هذه الخصائص بالنسبة للإعلام الأمني نظرًا لأهمية وحساسية الموضوعات والقضايا التي يتناولها. والخاصية النوعية للقائم بالاتصال في نطاق الإعلام الأمني تتمثل في كونه مصدرًا واحدًا محددًا له هذا الاختصاص وذلك بخلاف الأنماط الأخرى من الإعلام المتخصص الذي يمكن أن تحتمل تعدد المصادر القائمة بالاتصال.
2. الرسالة:
وتتمثل في الفكرة أو الموضوع أو الرؤية أو الخبر أو المعلومة أو الحدث المراد نقله، والرسالة تمثل صلب العملية الإعلامية، وهى تتكون من شكل ومضمون. والشكل لابد وان يتناسب مع المضمون ويتلاءم مع قناة الإعلام التي سيتم استخدامها كما أن التوازن بين الشكل والمضمون من الأمور الأساسية لإطلاق رسالة فعالة فلا ينبغي أن يتغلب احدهما على الآخر لأن هذا يضعف من اثر الرسالة وقد يوجهها بعيدًا عن الهدف المنشود، فإذا ازداد معدل الإبهار في الرسالة فإن هذا يجذب المتلقي للاهتمام بالشكل ويقلل من اهتمامه وفهمه لمحتوى الرسالة كما ان الاهتمام بالمضمون على حساب الشكل الذي تتخذه الرسالة يعد من العوامل الرئيسة لانصراف المتلقين عن الرسالة وعدم اهتمامهم بها بل وقد يؤدى هذا إلى اضعاف ثقتهم بالقائم بالاتصال لأن البعض قد يفسر هذا على انه عدم احترام من جانبه لهم أو على انه تعبير عن مستوى مهني إعلامي منخفض.
جانب آخر هام لابد وان يكون متوافرًا في الرسالة الإعلامية وخاصة الأمنية وهو التوازن في كم المعلومات الذي تحتويه الرسالة فلا ينبغي أن تحتوى الرسالة على كم كبير أو مبالغ فيه من المعلومات بحيث لا يستطيع المتلقي ان يستوعب هذا الكم ولا يجب ان يكون كم المعلومات محدودا بحيث لا يفي باحتياجات المتلقي لأنه في هذه الحالة سوف يقوم باستكمال المعلومات الناقصة ذاتيًا أو من خلال الآخرين الأمر الذي يؤدى إلى تشويه الرسالة الإعلامية أو تحريفها بما يخل بالهدف المراد الوصول إليه من إطلاقها، هذا بالإضافة إلى الدقة والوضوح وعدم استخدام أي ألفاظ أو جمل تقبل تأويلاً وتفسيرات متعددة.
3. القناة الإعلامية:
من المعروف انه توجد ثلاثة أنواع من القنوات الإعلامية المقرؤة والمسموعة والمرئية، ولا يمكن القول بأفضلية نوع على نوع آخر لأن العوامل المحددة لتفضيل قناة على قناة أخرى تتمثل في طبيعة موضوع الرسالة وخصائص الجمهور المستهدف والأهداف المراد الوصول إليها من إطلاق الرسالة وتوقيتها، وقد يتطلب الأمر استخدام أكثر من قناة في وقت واحد إلا انه في هذه الحالة لابد من مراعاة طبيعة كل قناة من هذه القنوات عند تصميم وانتاج الرسالة الإعلامية فالرسالة التي تصمم وتنتج لقناة مرئية تختلف عن الرسائل المصممة للقنوات الأخرى، والأهم ان يأخذ في الاعتبار عند تصميم الرسالة الإعلامية المزايا النسبية الخاصة بكل قناة وذلك لتوظيفها التوظيف الأمثل الذي يخدم الأهداف المراد الوصول إليها. من ناحية أخرى تتطلب عملية استخدام أكثر من قناة لإطلاق الرسالة الإعلامية ضرورة التنسيق فيما بينها بحيث لا يوجد أي تناقض في جوهر محتوى الرسالة الإعلامية المراد توصيلها للجمهور المستهدف، ومراعاة التوقيت فيما بينها من حيث النشر والإذاعة.
وبالنسبة للإعلام الأمني فهو الأقرب إلى استخدام أكثر من قناة لنقل رسالته وذلك لاتساع نطاق الموضوعات التي يتناولها وأهميتها النسبية المرتفعة بالنسبة لقطاعات كبيرة من المجتمع الأمر الذي يعنى اتساع قاعدة الجمهور المستهدف وتنوع خصائصه وعاداته الاتصالية، هذا فضلاً عن تعدد المستويات النوعية التي يخاطبها الإعلام الأمني الأمر الذي يتطلب نقل رسائله من خلال عدة قنوات وعدم الاقتصار على قناة واحدة إلا إذا كانت هناك ظروف موضوعية تتطلب ذلك.
4. الجمهور المستهدف:
يعد الجمهور المستهدف احد العناصر الحاكمة لأية عملية إعلامية، فتبعا لخصائص هذا الجمهور وعاداته وتقاليده وقيمه ومفاهيمه ورؤاه تتشكل العملية الإعلامية ولا يعنى هذا أن الإعلام يجب أن يكون أداة لترسيخ التقليد ومقاومة التغيير والتجديد وإنما على المخطط الإعلامي أن يضع في الاعتبار خصائص الجمهور المتلقي للرسائل الإعلامية التي قد تشتمل على بعض الأفكار والرؤى الجديدة بحيث يقدمه بالشكل وبالصيغة التي لا ينتج عنها أي شك أو حذر أو صدام مع الجمهور المتلقي.
والواقع أن هذه المسالة تعد إحدى المعضلات التي تواجه الإعلام في كافة المجتمعات وهناك عدة استراتيجيات للتغلب عليها أو في الأقل تجنب آثارها السلبية وأبرزها الاستراتيجية التي تعتمد على التكرار المنظم للرسالة الإعلامية من خلال استخدام أشكال مختلفة للرسالة تحمل ذات المضمون حيث يتولد عن التكرار نوع من التآلف بين المتلقي والرسالة الأمر الذي يجعله أكثر استعدادا لقبولها والتسليم بصحتها. الاستراتيجية الثانية هي استراتيجية بناء اتجاه لقبول الرسالة الجديدة دون الدخول في صدام مع الاتجاهات القائمة لأن الهدف هو توصيل الرسالة وليس الصدام مع الذين يحملون افكارًا مضادة لها.
الاستراتيجية الثالثة هي استراتيجية القاطرة وتقوم على أساس وجود مجموعة في كل جماعة من قادة الرأي الذين يكون لهم تأثير في باقي أعضاء الجماعة ومن ثم فيمكن البدء بتوجيه الرسالة إليهم ثم يقومون هم بعد ذلك بنشرها بين قطاعات أوسع، ومن ثم فهم بمثابة القاطرة التي تشد وتجذب باقي الأطراف نحو وجهة معينة وبعض الدراسات تطلق على هذه الإستراتيجية استراتيجية الاتصال على مرحلتين.
وهناك العديد من الاستراتيجيات الأخرى في هذا المجال والإعلام الأمني يحتاج إلى معظم هذه الاستراتيجيات بل لا نغالي إذا ما ذكرنا انه يحتاج إلى ابتكار استراتيجيات خاصة به في هذا المجال من خلال توثيق وتحليل الخبرات المتراكمة في هذا الشأن.
5. التغذية العكسية:
تعد احد العناصر الهامة لأية عملية إعلامية فعالة، لأنها تتضمن ردود أفعال المتلقين على الرسالة الإعلامية ومن ثم فهي بمثابة اكتمال دورة الاتصال التي تمهد لدورة جديدة، وهي تدل على وصول الرسالة إلى الجمهور ومن خلال تحليلها يمكننا أن نعرف هل وصلت الرسالة إلى الجمهور المستهدف أم انها قد ضلت طريقها، كما انها توضح رؤية المتلقين الفعليين للرسالة وفهمهم لها ومدى اقتراب أو ابتعاد ذلك الفهم والإدراك عن المحتوى أو المعنى المراد توصيله كما ان التغذية العكسية توضح لنا نوعية استجابتهم للرسالة من حيث مدى القبول أو الرفض سواء للشكل أو الموضوع أو الاثنين معا، وكل هذه الأمور تمثل مداخل هامة لتطوير وتحديث العملية الإعلامية وزيادة كفاءتها وفعاليتها باستمرار. ويتطلب اكتمال دورة الاتصال والإعلام ضرورة أن يراعى المخطط الإعلامي توفير كافة الوسائل والسبل التي تتدفق من خلالها ردود الأفعال الناجمة عن إطلاق رسالته الإعلامية.
والإعلام الأمني بحكم طبيعته وخصائصه النوعية في أشد الحاجة لذلك فهو بحاجة إلى التأكد من وصول رسائله إلى الجمهور المستهدف وبحاجة إلى التيقن من مستوى تطابق فهم هذا الجمهور للمعنى المراد توصيله هذا فضلاً عن حاجته إلى التعرف على نوعية استجابة هذا الجمهور لرسائله الإعلامية.