رسائل إلى صاحبي: صناعة الحياة الطيبة

بدرالدين أيت بباعزيز

أسعد الله أيامك ووضع يدك على قلب الحياة لتشعر بنبضات قلب الحياة…

قررت أن أحدثك ياصاحبي، عن فن صناعة الحياة الطيبة. فن يجعلك تتواصل مع ذاتك وتنسجم معها، فن يجعلك تتواصل مع الآخرين بكل صبر وتسامح وتعاطف، فن يجعلك تعيش في انسجام مع الكون لتحيا كما أرادك الله أن تحيا ناجحا وسعيدا.

إن السواد الأعظم من الناس ياصاحبي، يتقنون صناعة البؤس. يتفننون في إتعاس أنفسهم ومن حولهم وبحسن نية طبعا. هكذا يصنعون حياة بئيسة مليئة بأسوأ ما في الماضي وأسوأ ما في الحاضر و المستقبل، يرفعون من معاييرهم دون يرفعوا مستوى عقولهم، يتحدون الحياة دون أن يعرفوا ويتقنوا قواعد لعبة الحياة، يسعون إلى تخليد ذكراهم دون أن يتعلموا فلسفة العطاء، وبهذا يغفلون عن طيب الحياة. إن الحياة ياصاحبي تستحق أن تعاش دون بؤس ودون تعاسة ولهذا فاسمها الحياة . الحياة التي تذكرنا دائما بالبدايات، إنها بداياتك التي لا يجب أن تنتهي .

إني أكتب إليك اليوم يا صاح حتى لا تكون من صناع البؤس والشقاء، اجعل من يومك هدية، فكر فيه كهدية من الله ، عشه كما يجب، سعيدا، منجزا، خدوما، متسامحا، قارئا، كاتبا، مبتسما …عش حياتك بإيجابية وتفاؤل، مها تعقدت تفاصيلها. وعند نهاية يومك، كن مستعدا لتتلقى هدية أخرى في الصباح الباكر، أقول في الصباح الباكر، فكما في الحديث النبوي الشريف ” اللهم بارك لأمتي في بكورها”. عش كل أيامك شخصا مبادرا يملك زمام أفكاره بين يديه، ولا تكن شخصا انفعاليا كلما هبت بعض السلوكيات والأفكار الطائشة من الآخرين عصفت بتوازنك النفسي والعقلي، عش يومك مركزا على دائرة تأثيرك، طور وعدل من شخصيتك، ولا تركز على همومك ومشاكلك لأنك كلما ركزت عليها تعاظم أثرها السلبي عليك وعلى من حولك.

يؤسفني ياصاحبي أن أرى بعضنا حالما يتلقى يومه/هديته من ربه يتلقاها متأخرا، يستحضر فيها كل الشرور الممكنة، وكل احتمالات البؤس التي تنتظره فيتحقق له ذلك، من منطلق ” أنا عند ظن عبي بي… “(حديث قدسي) والمظاهر على البؤس كثيرة في الحياة، فمنا من يصنع بؤسه وبؤس عائلته وأصدقاءه وينشر طاقة سلبية في مكان عمله، فينفر منه الجميع وتنفر منه الحياة. إن مواجهة الحياة بمنطق التحدي الفارغ لا يمكن أن يزيدك إلا تعاسة. وبالعكس من كل هذا فإن صناعة الحياة الطيبة ياصاح تقتضي منك أن تكون مرنا في إدارة شؤون دنياك متسلحا بمقولة ” كل شيء فيه خير”  وبالحديث القدسي ” أنا عند ظن عبدي بي ..” إن طيب الحياة وسعادتها والنجاح فيها ليس له مكان خارج ذاتك، فلا تبحث عن تكامل شروط العيش حتى تكون سعيدا، إن صناعة الحياة الطيبة، صناعة ذاتية خالصة، وإذا لم تستطع أن تبدأ من داخلك، أن تقوم أفكارك، فمشاعرك، فأفعالك فلن تجد سبل الحياة الطيبة،

كن جميلا ترى الوجود جميلا، ابتسم تبتسم لك الدنيا… عبارات نلوكها باستمرار دون أن نتدبر معناها ودون أن نطبقها في الحياة. عليك يا صاحبي أن تنتبه إلى ما تضعه في عقلك من أفكار ومبادئ وقناعات حول الحياة، فهي المسؤولة عن صناعة أفعالك وتحديد مصيرك، فإن كان ما تفكر فيه هو صعوبة الحياة وتعقد مشكلاتها …فلن تجني من وراء ذلك إلا المزيد مما تفكر فيه، لأن الأفكار تجذب مثيلاتها، فلا تتوقع أن تفكر في البؤس وتأتيك السعادة، إن دوامة البؤس ستستنفد طاقتك الإيجابية وسيتسلل إليك التوتر والخمول والبخل ومختلف المشاعر السلبية والعقد النفسية …فاحذر يا صاحبي قبل أن تفكر، فيما تفكر.

إن ما يجب أن تفكر فيه يا صاح : هو أحلامك وأهدافك ورؤيتك المستقبلية وإنجازاتك التي تتوق إليها، يجب أن تشغل تفكيرك على مدار يومك بالهدايا العظيمة التي تمنحها لك الحياة دون توقف، فكر فيما حققته في ماضيك ولو كان بسيطا، وابتسم، سيمنحك ذلك شعورا رائعا وسيجدب لك مشاعر طيبة وستنقدح في عقلك أفكار إيجابية إبداعية.

فكر في مشكلات الحياة على أنها دروس ستجعلك شخصا أفضل وفي هذا يقول روبن شارما Robin Sharma  أحد كبار الكتاب في مجال التحفيز وتنمية الذات في كتابه ” من سيبكي حين تموت؟” ” إخفاقات الحياة تكشف عن أكبر الفرص..”  كما ذكر المفكر العظيم يوربيديس (روائي ومسرحي يوناني عاش في القرن الرابع قبل الميلاد): ” في أسوأ الحظوظ تكمن أفضل الفرص لتغيير سعيد ” إذا كنت مررت بأكثر من الحصة العادلة من الصعوبات في الحياة، فربما أن الحياة تعدك لتخدم هدفا أسمى سيتطلب منك أن تكون مجهزا بالحكمة التي اكتسبتها خلال ابتلاءاتك. استخدم دروس الحياة لتعزز نموك المستقبلي. تذكر، أن السعداء من الناس غالبا ما يكونون قد مروا بنفس قدر المحن التي مر بها التعساء. ما يميزهم عن التعساء هو امتلاكهم الحس الجيد لإدارة ذكرياتهم بطريقة تثري حياتهم.

تعلم يا صاحبي أن تلقي بأفكارك في المستقبل، تعلم أن المهم في الحياة ليس ما تنجز فيها، وإنما ما يخلفه فيك هذا الإنجاز من مشاعر إيجابية وأحاسيس طيبة. ما الفائدة من أن تحصل أعلى النجاحات العلمية والعملية وأنت تحس بثقل الحياة يجثم على قلبك، وتجعلك نجاحاتك تجري في الحياة جري الوحوش في البرية.

 إن النجاح الحقيقي هو الذي يجعلك تحس بطيب الحياة وحيويتها، إنه النجاح الحيوي، الذي يجعلك تحيا من أجل رسالة سامية وهدف نبيل، النجاح الذي يجعلك جزءا من الإنسانية، وحتى تبلغ هذا النجاح فلتكن فلسفتك في الحياة، هي كما قال غاندي :” كن أنت التغيير الذي تريد أن تراه في عالمك” .

أرجو أن أكون قد نقلت إليك بعضا من مخاوفي حول صناعة البؤس، لتتجنب مساراته. وبعضا من أملي حول صناعة الحياة الطيبة لتسلك دروبها، ولكن الأهم مما لفتت انتباهك إليه، هو أن تعمق بحثك عن شروط صناعة الطيبة في الحياة، وأن تسعى إلى تطبيق ما أدركته وتعلمته، الآن وباستمرار،  وتذكر ، كما يقول نورمان كازنس: “الموت ليس فاجعة الحياة، بل ما نتركه يموت فينا ونحن أحياء”.

تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد