علي أحمان
تلعب المدن، الجماعات المحلية والجهات دورا مهما في تقليص الانبعاثات الغازية المضرة بالبيئة أثناء تنفيذها لالتزاماتها المناخية. وهي تعمل محليا و تكون شراكات عالمية، وهي الصبغة التي تم التطرق إليها خلال اليوم العالمي حول قدرة المدن على الصمود.
ينظم هذا الحدث تحت إشراف برنامج الأمم المتحدة للبيئة وائتلاف الحكومات المحلية من أجل الاستدامة. وقد حدد هذا الأخير أهم التدابير والإجراءات المتاحة للحكومات المحلية لاعتمادها بشكل تشاركي بغية مساعدتها على تحقيق أهدافها المحلية التي تعد جزءا لا يتجزأ من نجاح مخططات العمل الوطنية من أجل المناخ، أو ما يسمى بالمساهمات المعتزمة المحددة وطنيا (NDC).
“دخول اتفاق باريس حيز التنفيذ إنجاز رائع؛ ولا يبقى لنا سوى الإسراع في تنفيذ الالتزامات الواردة بهذا الاتفاق”، كما أشار إلى ذلك جينو فان بيغن، السكرتير التنفيذي لائتلاف الحكومات المحلية من أجل الاستدامة. “الدول المجتمعة بمؤتمر COP22 مطالبة من الآن بالبرهنة على ريادتها بتوفير إطار متين لدعم إنجاز خارطة طريق جوهرية ومثمرة تساعد على تكثيف العمل المناخي وسد ثغرة الانبعاثات قبل فوات الأوان. فالعمل من أجل المناخ بالمدن ومن طرفها، وبالجماعات المحلية والجهات أمر سيساهم في بقائها على طريق تحقيق سقف 2 درجات، والسعي إلى بلوغ 1.5 درجة”، يضيف نفس المتحدث.
لقد أطلق على مؤتمر COP22 اسم “مؤتمر الأجرأة” وقد أدلت المدن والمؤسسات البشرية بمخططات عملها المتعلقة بالتنفيذ، والمتمحورة بالخصوص على نجاعة وقدرة المدن على الصمود.
فعلي سبيل المثال، يرتكز الميثاق العالمي للعمداء من أجل المناخ والطاقة على أشغال ميثاق العمداء ورابطة عمداء الاتحاد الأوربي ويَعِـدُ بأن يكون قاعدة صلبة وقوية للحكومات المحلية للتتبع والتواصل حول التزاماتها المناخية.
أهم أحداث يوم القدرة على الصمود بالمدن والمؤسسات البشرية
سيقوم ائتلاف موسع للشركاء مكون من شبكات الحكومات المحلية، الجامعات والمنظمات الدولية، بتنظيم ندوة علمية دولية حول التغيرات المناخية والمدن في سنة 2018. وسيتم إطلاق هذا النداء خلال اليوم الموضوعاتي لاحتضان هذه الندوة.
كما سيتم استعراض آلية جديدة للتقييم، خلال هذه الصبيحة، ستتيح الإرجاء النوعي الموحد للالتزامات المتعلقة بالتكيف مع الاتفاقية العالمية لعمداء المدن.
وستقدم رابطة مدبري تمويل المناخ بالمدن أهم نتائج التقرير المتعلق بمبادرات أعضائها الدون وطنيين والمحليين. ويؤكد نفس التقرير على أن إبراز المراحل الأولى للمشاريع (مراحل الإعداد أو مجمل المراحل) أمرا ضروريا وحاسما لأنه يساعد على دعم الاستراتيجيات والمشاريع المناخية الملائمة. كما يوضح مقاربات الهندسة المالية التي تدعم تطوير الاستراتيجيات الحضرية وتحويلها إلى مشاريع ملموسة للاستثمار الحضري تشمل كل المكونات المتعلقة بالاستفادة المشتركة وتدبير المخاطر.
ما السر في أهمية دور المناطق الحضرية في أجرأة اتفاق باريس؟
تمثل المناطق الحضرية قرابة 70% من الانبعاثات العالمية المرتبطة بالطاقة. ذلك أن قطاع البناء والعمران يمثل لوحده أزيد من 20% من الانبعاثات العالمية المضرة بالبيئة. التوصل إلى تقليص 80% من الانبعاثات الكربونية بحلول سنة 2050 (وفق توقعات الوكالة الدولية للطاقة ) أمر سيعد حاسما بمسلسل إنجاح اتفاق باريس.
لكن التغير المناخي لا زال في طور التكوين وأضحى من الواجب إيلاء الأولوية للتكيف من لدن الحكومات الدون وطنية. تبعا للبنك الدولي، فإن التكيف مع التغيرات المناخية أمر قد يكلف ما بين 80 و100 مليار دولار في السنة، ويجب استثمار 80% منها بالمناطق الحضرية.
حوار خاص حول تمويل القدرة على الصمود بالمناطق الحضرية، المنظم من طرف الصندوق العالمي لتنمية المدن ورابطة مدبري تمويل المناخ بالمدن، تطرق لموضوع تأمين الأموال المخصصة لإنجاز مشاريع القدرة على الصمود على المدى البعيد.
العديد من المبادرات الرامية إلى تكيف المناطق الحضرية مع التغيرات المناخية كانت لها انعكاسات إيجابية على التخفيف من الانبعاثات المضرة بالبيئة، والعكس صحيح؛ الشيء الذي يشكل انتصارا مزدوجا لمنظومة العمل من أجل المناخ بالمدن. ونذكر على سبيل المثال في هذا الصدد ترميم البنايات القديمة وتشييد بنايات أخرى جديدة ذات استهلاك ضعيف للطاقة وذات إنجاز طاقي عالي. وقد سبق للاتحاد العالمي للمباني أن أعد خارطة طريق للبناء، تتمحور حول تشييد بنايات ذات استهلاك طاقي ضعيف بالمناطق الحارة والاستوائية وحول تحسين الولوج للتمويل، لاسيما بالبلدان السائرة في طريق النمو.
” نحن مطالبون بإعطاء أهمية خاصة لقطاع البناء والعمران لكونه يتوفر على مؤهلات كبيرة للتخفيف من حدة الانبعاثات المضرة بالبيئة، وجعل إنتاج الطاقة أقل تكلفة. وهذا يتطلب رؤية مندمجة، لا تقتصر على الانبعاثات المباشرة والغير مباشرة للبنايات فقط، ولكن أيضا على المواد المستعملة للبناء، بغية ضمان أثر مستدام لاتفاق باريس على مدننا وعلى العالم أجمع”، يشير تقرير الاتحاد العالمي للبناء والعمران.
كما توجد المنطقة الحضرية في صلب العديد من الإطارات العالمية، ليس فقط باتفاق باريس، ولكن أيضا ضمن الأهداف التنموية المستدامة والبرنامج الحضري الجديد. فالعمل المحلي القطاعي البيني والمتعدد المستويات يحظى بأثر مضاعف، لأنه قادر على تغيير صورة البيئات الحضرية مع مساهمته الأساسية في إنجاز الأهداف المناخية الطموحة.
ما الذي ينتظره القطاع من شراكته مع الحكومات الوطنية
لا يتيح الطموح المتراكم للمساهمات المعتزمة والمحددة وطنيا للعالم إمكانية احترام هدف الحفاظ على درجات الحرارة العالمية في أقل من درجتين اثنتين.
يجب على الحكومات الوطنية الاعتماد على الحكومات الدون وطنية بالشراكات الموسعة، وذلك بتوفير إطارات للعمل من أجل محاربة التغيرات المناخية المحلية وتمويل مطابق للتحديات التي تواجهها. غالبا ما تجد الحكومات المحلية نفسها غير قادرة على تحقيق اندماج عمودي فعال بجميع المقاييس يمكن من تكثيف العمل المناخي سواء بالبلدان المتقدمة أو بالبلدان السائرة في طريق النمو.
لقد تعهدت البلدان المتقدمة بتحقيق 100 مليار سنويا بحلول سنة 2020 لدعم التدابير المناخية بالبلدان الأكثر هشاشة، ويعد هذا أمرا حاسما لبلورة اتفاق باريس. ففي الوقت الراهن، توجد التنمية الحضرية المتسارعة بالبلدان السائرة في طريق النمو. فهذه البلدان في حاجة إلى دعم مناسب وكاف لتجنيب البنيات التحتية من أي تأثير سلبي للدرجة المرتفعة للكربون بها وإيجاد حلول قوية بكربون أقل قدر الإمكان.
نبذة عن البرنامج العالمي للمناخ
لقد قامت بطلتا المناخ بإعداد برنامج مفصل يروم التحفيز على الانضمام لتعاون ما بين الحكومات، المدن، المقاولات، المستثمرين والمواطنين في أفق التقليص السريع للانبعاثات المضرة بالبيئة ومساعدة البلدان المتضررة من التكيف على التأقلم مع الآثار المناخية وبناء مستقبل مستدام يتأسس على استعمال طاقات نظيفة. كما يعد البرنامج العالمي للمناخ داعما أساسيا ومحركا حقيقيا لتحقيق التنفيذ السريع والناجع لاتفاق باريس حول التغيرات المناخية.
“بعد مرور سنة على مؤتمر Cop21، تتواصل دينامية العمل من أجل المناخ وتتعزز. ففي الوقت الذي نلتئم فيه بمراكش، يكون الوقت قد حان للشروع في وضع جرد لما حققناه من إنجاز خلال السنة الماضية.
كل المتدخلين مطالبين بالعمل، وفق الأهداف المسطرة على المدى البعيد، على التعاون فيما بينهم ليس فقط لتحقيق أهداف المساهمات المعتزمة والمحددة وطنيا فحسب، وإنما العمل على تجاوز وسد ثغرة الانبعاثات. فهذه الاستعجالية ستوجهنا جميعا نحو تسريع المجهودات الفورية وتطبيق التدابير الطموحة. نحن مطالبون أيضا بالكشف عن الخيارات السياسية الملموسة والأدوات التي يتوجب عليها تعبئتها على المدى القصير.
المعطيات العلمية واضحة: الطريق الذي يتوجب علينا سلكه بمجال الانبعاثات المضرة بالبيئة بحلول العام 2020 لازال طويلا. وإنه لتحدي كبير نحن بعيدون عن رفعه.
تبعا للميولات الحالية، سنبلغ بحلول 2030 ما بين 11 و14 جيغا طون فوق القيمة الملائمة لاتفاق باريس. الهدف المتوخى هو الانتقال نحو المستوى الأعلى للإبقاء على نطاق أهدافنا، أي الوصول إلى أقل من 2°Cm وإن أمكن بلوغ 1.5 C°، مع الرفع من قدرات التكيف والقدرة على الصمود، والعمل على إعادة توجيه التدفقات المالية. ونحن مطالبتان، بوصفنا بطلتان للمناخ، بخلق رابط ما بين مختلف المتدخلين بمنظومة المناخ. كما يتوجب على القادة السياسيين عبر العالم الاستماع والاستلهام من الحلول الموجودة بين أيدينا.”
حكيمة الحيطي، بطلة المناخ عن المغرب، وتوبيانا لورانس، بطلة المناخ وسفيرة المفاوضات حول التغيرات المناخية عن الجمهورية الفرنسية.