صــــفــــــاء آغـــــــــا
قراءة تقريبية وتحليلية في بعض أفلام الدورة 23 لمهرجان تطوان السينمائي المتوسطي
أسبوع من المتعة والفرجة السينمائية الحافلة بأهم أفلام الضفة الأخرى من المتوسط على مختلف أنواعها حيث لا يمكنا القول أنها تختلف على مستوى المضمون والشكل فقط لأن هذا تعبير كلاسيكي لكن بالنسبة للمواضيع تكمن في إختلاف نوعية الأفلام إذ أن هناك مواضيع دينية ؛ فنية إجتماعية ؛ دينية ؛ نفسانية ؛إنسانية ؛ وكذلك أخص بالذكر مواضيع الهجرة تحديدا، كما أنها أفلام يمكن القول عليها أنها متفاوتة القيمة حيث هناك أفلام قوية وهناك الأقل قوة طبعا ولكن على العموم هي أفلام محترمة بمعالجتها الفنية والتقنية والجمالية ، كل هذا قضته مدينة الحمامة البيضاء تطوان الغراء وجمهورها الوفي على إيقاع مهرجانها الدولي لسينما المتوسط .
مهرجان تطوان دائما وكعادته يفاجئه جمهوره العاشق للسينما بأفلام جميلة ومتنوعة وهذه خاصية تحسب له ، والبحر الأبيض المتوسط يقدم أفلام جيدة تستحق المشاهدة والمناقشة لأن هناك أفلام من شمال البحر الأبيض المتوسط وأخرى من العالم العربي ومن أهم هذه الأفلام التي حضيت بإعجاب أغلب النقاد الحاضرين و السينمائيين في الآن نفسه وهي مفارقة عجيبة وهي :
الفيلم الإيطالي ” لا تنفصلان ” أو ” indivisibili ” لمخرجه ” إدواردو دي أنجليس ” حيث أنه فيلم مصنوع بعناية فائقة ومعالجة سينمائية حقيقية و إمكانيات كبيرة ولا عجب في ذلك حيث أنه حقق العديد من النجاحات في إيطاليا وفي مجموعة المهرجانات العالمية ليصل إلى مهرجان تطوان لإستكمال نجاحه ، وهو فيلم له خصوصية شديدة حيث أنه يطرح مشكل توأمتان ملتصقتان وهما في الحقيقة ضحيتا إستغلال على كل المستويات إستغلال الأب أو الإستغلال العائلي إن صح التعبير ثم إستغلال من نوع آخر وهو إستغلال في أبشع صوره فيما يخص المستوى الآخر الذي يلتصق بسوق الدعارة ولكن هناك شيء أساسي لذا الشخصيتان النسائيتين على أساس أنهن يبحثن عن التحرر أولا وشيء من الإستقلالية الذاتية ، و على المستوى السيكولوجي والنفسي نرى أن هناك نوعا ما من النجاح في حياتها رغم هذه المعاناة التي يعيشانها حتى يكتشفا أن من الممكن الفصل بينها والعيش بإستقلالية أكثر ليكتشفا من جديد معنى الفراق والآلم في الآن ذاته وأن الإنسان كلما نضج بالعمر يجب عليه تحمل الآلم و الجروح و إستعاب الصدمات التي تواجهه في حياته ، وهو فيلم أثار جدال كبيرا بين النقاد في إيطاليا فمنهم من يجده فيلم جدير بالإهتمام ومنهم من يرى أنه لا يستحق كل تلك الضجة التي أثيرت حوله، فالموضوع التي يعالجه الفيلم إذا نظرنا له من زاوية أخرى هو أنه يحاول أن يبحث فيما هو نفسي عميق في الذات الإنسانية بمعنى كيف يمكن للشخصيتين ملتصقتين أن ينفصلا هل إذا أنفصلا الجسدين يمكن أن تنفصل الروح والجانب النفسي ، ثم بالفعل اليوم إذا أردنا التحدث عن هذا الموضوع لابد لنا أن نعرج على الجانب ” الميتافوغيك” أي ” الرمزي ” أي أنه إذا إعتبرنا أن أوروبا هي جسد واحد إن لم نقل أن أوروبا تقودها ثلاث قوى وهي فرنسا – ألمانيا – ثم إنجلترا والأخرين هم عمال أو غير ذلك ، إذن هذه الأسئلة السياسية العميقة والنفسية التي يطرحها الفيلم هي المهمة فيه ، أما بالنسبة للمعالجة البصرية أو الحوارات وهل وصل الفيلم فعلا إلى إبراز هذه المسألة فهذه المسألة أيضا تتعلق بثقافة المخرج ، والمعروف على أن هذا هو ثالث أو رابع فيلم له ، وهو من الجيل الجديد له ثقافة سينمائية مهمة جدا ، والمسألة المهمة جدا هو الأفق التي تتجه إليه السينما الإيطالية المعروف عليها أنها ذات مرجعية كبيرة جدا في السينما العالمية .
فيلم ” ضربة رأس ” للمخرج ” هشام لعسري ” هو فيلم يدخل في إطار الأسلوب الذي إتبعه لنفسه سواء من حيث طريقة الإخراج أو من حيث أيضا طريقة الانتاج لأن ” هشام العسري” وجد لنفسه طريقة لإنتاج فيلم بميزانية لا يمكن أن نقول كبيرة ولا ضعيفة ولكن متوسطة يعني يمكن من خلالها أن يشتغل بأليات وبتقنيات خفيفة لأنها تخفف من صناعة السينما بمفهومها الثقيل كي يبدع أفلاما ذات موازنات صغيرة ولكنها لا تخلو أولا من النص مما يدور في المجتمع المغربي ثم أنها لا تخلو كذلك من الجمالية بمعنى الجمالية التي يقترحها علينا ” هشام العسري ” والتي قد تزعج بعض الناس الذين لهم ذوق معين أو تصور مسبق للسينما ، أي أن سينماه له يمكن القول عليها أن لها مذاق خاص وجمهور خاص، وهو مخرج يحرك الكاميرا بطريقة مختلفة ، ثم أن أعماله تطرح أسئلة حول المجتمع المغربي في بعض الأحيان تقلق الناس ، فما شاهدناه مثلا في فيلم ” ضربة فالرأس ” وهو آخر أعماله وهو مسألة أحداث ” ثورة كوميرة ” يعني أحداث الدارالبيضاء بهذه الطريقة التي تخلط بينما هو ساخر من هذه الأحداث وبين أيضا أشخاص يعتبرون شهداء في الحقيقة لأنهم تم منعهم من الحرية وتم تعنيفهم وهناك قضايا لازالت إلى اليوم مطروحة على المجلس الأعلى لحقوق الإنسان المغربي ثم على هيئة الإنصاف والمصالحة إلى غير ذلك ، وهو ما نراه دائما في سينما ” هشام العسري ” التي تطرح دوما أسئلة جديدة حول تاريخ المغرب المعاصر وذلك أيضا في إطار الأفلام الأخرى السابقة ، وهذا الفيلم يعتبر بمثابة بحث مهم جداً في مساره السينمائي وربما البعض يلاحظ أن ” هشام العسري ” أصبح حبيس أسلوبه السابق حيث أن الفيلم هو أقل تجديدًا مما سبق إذا قارنه مع فيلم ” هم الكلاب ” أو ” البحر من ورائكم ” أو ” النهاية ” نجد أن هناك أشياء التي أصبحت مكررة ولم تعد تقدم إجتهادا وحفرا على مستوى الوسيط السينمائي . غير أنه يحسب له إحترامه لأسلوبه ووفاؤه لمواضيعه التي يختارها وإن لم ترق الجميع ، لأن لكل مخرج زاوية معالجته لأفلامه و إبداعاته .
أما الفيلم المصري ” مولانا ” أولا إن المتتبع لكل ما أنجزه المخرج ” مجدي أحمد علي ” إنطلاقا من فيلمه ” يا دنيا يا غرامي ” إلى فيلمه ما قبل الأخير ” خلطة فوزية ” التي لم ترق الكثير من النقاد وفي هذا الفيلم تحديدا لا نتحدث عن الجماليات لأن الفيلم متقن من الناحية الجمالية ومن ناحية اللغة السينمائية ؛ طريقة الإخراج ؛ إدارة الممثلين ؛ أيضا الممثل الذي حمل الفيلم الذي يعتبر هذاهو الدور الأساسي له في حياتي بحيث لما أعطيته الفرصة فكان على قد المستوى ثم أن الفيلم يلامس اليوم قضية أساسية في المجتمع المصري أولا بإعتبار أن مصر مركز العروبة وعندما تنضر مصر يضر العالم العربي ، فاليوم الحديث كله منصب حول الإخوان المسلمين ودور الأزهر أو دور الفقيه في المجتمع وتداخله مع أجهزة الدولة ثم أيضا علاقته بالشأن العام بصفة عامة ، حيث أن الفيلم هو مقترح نقدي حول هذه المسألة ، وعلى ما نعتقد أن كل من قرأ الرواية سيجد على أن المخرج وكاتب السيناريو لم يقدما الشيء الكثير على مستوى ما يمكن أن يقدمه المخرج حينما ينقل الرواية إلى الفيلم ربما هذه نقطة أساسية ، لأنه لاحظنا أن ما يقوله الكاتب هو موجود في الرواية وهو أيضا ما يقوله في برامجه التلفزيونية وبالتالي أصبحنا نجد أن هناك حوارات مباشرة لم تستطع في الحقيقة أن تنزاح أو أن تخرج على المباشرية أي ما هو سائد فيما يتعلق بنقد العقلية الدينية أو العقل الديني بصفة عامة .