عبد الحكيم قرمان باحث في القانون والعلوم السياسية: إستحضار الأدوار التي قام بها رائد التحرير محمد الخامس بمناسبة بالذكرى الستين لإستقلال البلاد

حاوره : عــلــي أحــمــان

بمناسبة تخليد المغرب للعيدين الوطنيين الكبيرين ؛ عيد المسيرة الخضراء المظفرة وعيد الاستقلال الوطني، استضافت جريدة إزوران الأستاذ عبد الحكيم قرمان، الباحث في العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط،  لاستحضار وتسليط الضوء على حقبة تاريخية حاسمة من تاريخ المغرب، من خلال إبراز الأدوار الطلائعية التي قام بها بطل التحرير السلطان محمد الخامس طيب الله ثراه.

1 – مرحبا بكم الأستاذ عبد الحكيم قرمان، وأول ما نفتتح به هذا اللقاء الحواري، نريد أن نعرف ماذا يمثل لكم الاحتفاء بعيدي المسيرة الخضراء والاستقلال خصوصا في ظرفية تاريخية وطنية وإقليمية ودولية دقيقة ؟

بداية، أشكركم على هذه الدعوة الكريمة، وأتقدم لكم وللعاملين بمنبركم الإعلامي بخالص عبارات التهنئة ونحن في غمرة الاحتفال بالذكرى الستين لعيد الاستقلال الوطني، وكذا الذكرى الأربعين للمسيرة الخضراء المظفرة، وكلا الملحمتين تصادفان الذكرى الواحدة والخمسين لرحيل قائد التحرير الوطني، جلالة الملك محمد الخامس طيب الله ثراه.

كما أغتنم هذه الفرصة للترحم على أرواح شهداء التحرير وعزة وكرامة الوطن خلال مرحلة الجهاد الأكبر، ولا يفوتني كذلك أن أنوه بما قدمته مختلف المكونات الساهرة على أمن وطمأنينة واستقرار هذا البلد العظيم من قوات مسلحة وأمن وطني وقوات مساعدة وعمومية تحت القيادة السديدة لجلالة الملك محمد السادس أعز الله أمره. وأثمن كذلك الأدوار التي قامت بها القوى الوطنية الديمقراطية والتقدمية قبل وإبان وبعد الحصول على الاستقلال، وبذات المناسبة أقف بإجلال وبكثير من الفخر والاعتزاز لأترحم على الأرواح الطاهرة لكل  شهدائنا نساء ورجالا على ما بذلوه من تضحيات وأعمال جليلة، سواء ضمن حركة المقاومة المغربية في سبيل الاستقلال وعزة المغرب، أو على مستوى الملاحم الباهرة التي تحققت ببلادنا في إطار من التلاحم بين العرش بملوكه العظام و والشعب وقواه الحية ونسائه رجالاته الأفذاذ.

لذلك، فإن الاحتفاء بملحمتين بارزتين (عيد المسيرة الخضراء وعيد الاستقلال ) من بين عشرات الملاحم التاريخية والوطنية الأخرى، يشكل في اعتقادي، استحضارا واجبا ومطلوبا للذاكرة الوطنية بالنسبة للأجيال الجديدة أولا، وتجديدا لفكر وروح ولحمة الانتماء للوطن وتقوية الاعتزاز بعراقة تاريخه التليد وتحضر شعبه الأبي المعطاء. أشد كذلك بحرارة على أياديكم وأهنئهم على سداد اختيارهم للاحتفاء بشخصية بارزة في ملحمة الاستقلال، الملك الراحل محمد الخامس طيب الله ثراه “رمز تحرير وبناء المغرب المستقل” متمنيا لكم في الآن ذاته،  موصول التوفيق والنجاح في أداء رسالتكم الإعلامية الوطنية النبيلة.

2 – طيب بعد هذا المدخل الضروري لوضع القضية في سياقها التاريخي والوطني والرمزي، هل لكم أن تقربوا القراء الكرام وخصوصا الشباب الصاعد من بعض الجوانب والأبعاد الفكرية والإنسانية والشخصية التي ميزت قائد تحرير البلاد، جلالة المغفور له محمد الخامس؟

أظن أن استحضار شخصية وطنية كبيرة بصمت مرحلة تحررية تاريخية بأكملها وطنيا وإقليميا وعالميا، يصعب على الباحث والدارس الموضوعي الإلمام بكل تفاصيلها وأبعادها في كلمات أو حوار. لكن مع ذلك، وبالنظر إلى وجاهة وبلاغة الغاية من سؤالكم، والمتمثلة في تقريب الجيل الجديد من بعض ملامح ومنجزات هذا الملك المناضل والمحرر، أرى ولعلني أوفق في ذلك، بأن أتناول هذه الشخصية الفذة من ثلاثة زوايا تبدو لي غاية في الخصوصية والأهمية المعرفية في وقتنا الراهن، خصوصا بالنسبة للأجيال الشابة الجديدة التي تحتاج أكثر من أي وقت مضى تغذية وجدانها الوطني وتحفيز وتنشيط ذاكرتها الوطنية الكامنة.

3 – عفوا أستاذ، نريد أن نعرفها ونرجو منكم أن تفردوا لكل من هذه الزوايا الثلاث، جزءا من أجزاء هذا السؤال تعميما للفائدة؟

طيب، أتفق معكم تماما، ولذلك فإن قراءتي المتواضعة لهذه الشخصية الوطنية البارزة، تقوم على مقاربة ثلاثية الأبعاد كالآتي؛ محمد الخامس القائد السياسي، ومحمد الخامس الأب القدوة، ومحمد الخامس مؤسس الدولة المغربية الحديثة. ومن هذا المنطق، أود مقاربة المحاور الثلاثة من منظور يروم استحضار الذاكرة من أجل إبراز قيمة وعطاء هذا الملك الهمام في مختلف المجالات، وذلك بغية استقرائها من جديد لتمكين الأجيال الشابة من تملك هذا الإرث الوطني الزاخر بالأمجاد من جهة، ولتغذية الوجدان الوطني وتثبيت الانتماء وتقوية دعائم الوطنية والمواطنة لدى الأجيال الصاعدة من جهة ثانية.

وبالطبع فإن هذه المقاربة المقترحة تستوجبها الحاجة الملحة لتنشئة شبابنا وفقا لرؤية استشرافية تواكب تحديات ورهنات المشروع المجتمعي الحداثي الديمقراطي للعهد المحمدي الجديد، الذي خطه ويقوده بحكمة واقتدار، عاهل البلاد جلالة الملك محمد السادس حفظه الله وأعز أمره.

I- محمد الخامس القائد السياسي.

يحق لكل المغاربة اليوم أن يسترجعوا بفخر واعتزاز، المنجزات والمشاريع الوطنية المؤسسة لدعائم الدولة المغربية الحديثة التي أرساها فقيد الأمة، المغفور له محمد الخامس. و للتذكير، فإن ملامح العبقرية لهذا القائد التحرري قد تبلورت بقوة منذ حداثة سنه، حيث أنه اعتلى عرش البلاد وهو لا يزال في السابعة عشرة من عمره في خضم سياسي وطني، إقليمي ودولي جد صعب ومعقد.

فقد تولى زمام الأمور، والمغرب يئن تحت وطأة نظام الحماية، والبلاد مقسمة إلى مناطق نفوذ للقوى الأجنبية الاستعمارية. وهي المرحلة التي شهدت مخاضات تحررية  وبزوغ حركات للمقاومة على المستويين الإقليمي والدولي أمام تنامي النزعات الاستيطانية والاستعمارية للشعوب المستضعفة من لدن القوى الاستعمارية الكبرى. وبذلك فقد كانت الظرفية السياسية والاقتصادية والدبلوماسية العالمية تتميز بحالة استثنائية، كان للمغرب، ضمن باقي الشعوب الرافضة والمقاومة للهيمنة الاستعمارية الحظوة والمكانة المتميزة، حيث سطع وبرز نجم قائد وطني استثنائي حرك القوى الكامنة بالبلاد والتفت حوله بحب وتلقائية كل مكونات الحركة الوطنية التحررية بالمغرب كما اتخذته باقي حركات التحرر الوطني الأخرى نموذجا يحتذى.

لقد كان محمد الخامس بحق قائد دولة يجمع بين ما تفرق لدى غيره من القادة الأشقاء الآخرين الذين جايلوه مغاربيا وعربيا وقاريا، ذلك لكونه استطاع بفطرته وذكاءه وبساطته وحكمته اللافتة، أن يكون محفزا بارز الأدوار في مرحلة الكفاح الوطني العسير. كما تمكن بفضل خصاله الشخصية ومرجعيات تكوينه الفكري والديني من أن يصبح ملهما لقوى التغيير الوطنية والعربية والإفريقية لما تحلى به من قدرة على التعبئة، وعلى حسن تدبير القضايا والأزمات، إضافة إلى الكفاءة الشخصية في نسج العلاقات وتقوية أواصر التعاون والتنسيق بين مختلف القوى الحية الدافعة نحو التحرير والتغيير عربيا وإفريقيا. و الأروع في ذلك كله، فقد حظي طيلة حكمه، بحب وإعجاب وتعلق كل مكونات الشعب المغربي بشخصه، كملك للبلاد وكأب للأمة.

وتجدر الإشارة إلى العناية الفائقة التي أحاط بها، المغفور له محمد الخامس، الكفاءات والشخصيات الوطنية المتميزة في شتى الميادين والحقول العلمية والثقافية والاجتماعية والسياسية وغيرها في سعيه لبناء الدولة المغربية المستقلة. ولا يمكن أن ينسى المغاربة ما قدمه هذا الملك المحرر في سبيل النهوض بأوضاع المرأة المغربية من دعم ومواكبة واعتبار، حيث يرجع له الفضل في تمكينها من ولوج المدارس، والتمتع بكل الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية على قدم المساواة مع صنوها الرجل. وتأسيسا على ذلك، فقد ولجت المرأة المغربية منذ بدايات ملكه الرشيد كل المجالات، وانخرطت كذلك بوعي وحماس في معركة التحرير الوطني، أما، وزوجة وأختا وابنة، وهي تقوم بأدوارها كاملة ومكملة لأدوار الرجل.

II – محمد الخامس الأب القدوة.

لعل من أبرز السمات البارزة كذلك في شخصية هذا الرجل الفذ، كونه شكل نموذجا خاصا للقادة التاريخيين المميزين في الأسلوب والأدوار. ذلك أنه وازى بين مهام الحكم وتدبير شؤون الدولة من جهة،  والقيام برسالته التربوية كأب ورب أسرة يحتذى من جهة ثانية. فمنذ توليه الحكم، أعطى رحمه الله، المثال لشعبه انطلاقا من تحفيزه لأنجاله الأمراء ذكورا وإناثا على الدراسة والعلم ومكارم الأخلاق من جهة، و تشجيعهم كذلك على الانخراط كلية في قضايا وانشغالات وتطلعات الوطن السياسية والاجتماعية والثقافية. فلن ينسى المغاربة عموما، والنساء المغربيات على وجه الخصوص، أعماله الجليلة في مجال تمدرس الفتيات بكل حواضر المملكة عبر إرسائه لمنظومة متكاملة للتعليم العمومي والخصوصي المجاني في خدمة أبناء الوطن دون استثناء، ناهيك عن العدد الكبير من المدارس الخصوصية التي سهر على بناءها من ماله الخاص، فمكن بذلك أعدادا هائلة من بنات شعبه الوفي من إدراك مدارج التربية والعلم والفكر والإبداع. و هكذا فإن الرعيل الأول للفتيات وللنساء خريجات هذه المؤسسات التعليمية، كان لهن السبق والتميز في مجال ولوج الوظائف العمومية، وتولي مهام التدريس والتكوين والعمل السياسي، وكذا تنشيط المنتديات العلمية والفكرية والثقافية إبان فترة حكمه.

واللافت للانتباه،  أن الرموز النسائية المغربية التي احتضنها،  السلطان محمد الخامس، وواكب مسيرتها الدراسية والمهنية والإبداعية ، قد تمكنت في فترة وجيزة من فرض مكانتها، وبصمت بمداد من الفخر، مسيرة التحرير والبناء في كل مناحي الحياة ؛ فتألقت بعطاءاتها في السياسة والثقافة وتدبير المهام الإدارية والاقتصادية بشكل كبير. والأهم من ذلك أن المرأة المغربية كانت من بين الموقعين على عريضة المطالبة بالاستقلال 11 يناير 1944، ممثلة في شخص الراحلة مليكة الفاسي. وقد شكلت الأميرة الجليلة للاعائشة، إحدى العلامات والأعلام الوطنية النسائية البارزة على المستويين الوطني والدولي إلى جوار والدها محمد الخامس طيب الله ثراه، نموذجا متميزا للمرأة المغربية الملتزمة بقيم الوطنية والمواطنة الحق، بالنظر للأدوار التي قامت بها، وهي نفس المسيرة التي واصلتها المرأة المغربية ولازالت تقوم بها باقتدار، نخب من النساء المغربيات جيلا بعد جيل.

IIIمحمد الخامس مؤسس الدولة العصرية.

لقد تميز أول خطاب ملكي لقائد التحرير، محمد الخامس طيب الله ثراه، حدثا سياسيا بارزا، أعلن وأكد من خلاله معالم المشروع المجتمعي للمغرب الحديث، وخصوصا في مجال بناء مؤسسات الدولة العصرية، القائمة على ثوابت الأمة الراسخة، والمتمثلة في شعار المملكة المغربية؛ الله، الوطن، الملك. كما اعتبر هذا الخطاب التاريخي، بمثابة برنامج عمل وأسلوب متجدد في الحكم، عنوانه البارز؛ ” تحرير الإنسان من تحرير الأوطان “.

وهكذا فقد أولى رحمه الله عليه، عناية بالغة لبناء مؤسسات الدولة الوطنية العصرية، كما أكد حرصه على ترسيخ قيم الوطنية ونظام الملكية الدستورية، وأقر مبدأ التعددية السياسية، وضمان احترام التنوع الثقافي في المغرب، مع الحرص التام على صيانة حقوق المكونات الروحية للمجتمع المستمدة أساسا من تعاليم الدين الإسلامي السمح، والسهر على رعاية حقوق المكونات العبرية والمسيحية باعتبارهما جزءا من اللحمة الوطنية، ورافدين أساسيين للهوية المغربية.

والأهم من ذلك كله، حرص هذا القائد العظيم على تمكين كل أبناء الوطن من التمتع بهذه الحقوق اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وثقافيا، عبر إصداره للظهير الشريف المتعلق بالحريات العامة سنة 1958، والذي بموجبه، تأسست وانتظمت الحياة الحزبية والنقابية والجمعوية والحقوقية بالمغرب في مختلف المجالات؛ النسائية والشبابية السوسيو مهنية والطلابية وغيرها كثير….

وبناء على ذلك، انبثقت هيئات وتنظيمات مدنية وسياسية وحقوقية تهتم بترقية الشأن العام، والشأن النسائي بالمغرب، على غرار كل الدول الديمقراطية الحديثة. ومن هنا انطلقت وتطورت الحركة النسائية الحديثة بالمغرب منذ فجر الاستقلال في عهد قائد التحرير محمد الخامس، مرورا بالعهد الزاخر لجلالة الملك المغفور له الحسن الثاني حامي الحدود، وباني السدود ومبدع المسيرة الخضراء المظفرة، التي استطاع من خلالها المغرب استرجاع أقاليمه  الجنوبية من الاستعمار بشكل سلمي وحضاري متفرد في التاريخ المعاصر، وصولا إلى العهد المحمدي الجديد، عهد البناء الديمقراطي المتجدد، عهد توسيع الحقوق والحريات، عهد الإصلاحات الهيكلية الكبرى؛ عهد الأوراش التنموية، وعهد تجديد الملكية وتقوية البناء المؤسساتي وعهد التنمية البشرية المستدامة والإقلاع الاقتصادي وإقرار مدونة الأسرة الجديدة وتثبيت مبادئ العدالة الاجتماعية والمساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات، عهد المناصفة والإنصاف، عهد الملك المجدد المصلح، أمير المؤمنين محمد السادس نصره الله.


4 – بعد هذه الجولة الرائعة التي استرجعنا وإياكم من خلالها أبرز الملامح الشخصية والتربوية والفكرية والسياسية لقائد ملحمة التحرير، المغفور له جلالة الملك الراحل محمد الخامس، ونحن على بعد ستين سنة من حدث الاستقلال الوطني، نود منكم تنويرنا أيضا عن معاني ودلالات التحرر الوطني بين الأمس واليوم؟

إن الحديث عن تحرير الوطن من منظور جلالة المغفور له محمد الخامس، لا تكتمل معانيه وأبعاده إلا باستحضار معادلة جوهرية مفادها: “تحرير الإنسان من تحرير الأوطان”. وهي جملة مكثفة جامعة مانعة، في اعتقادي، لكل ما تم انجازه وتحقيقه منذ مرحلة التحرر من نظام الحماية الاستعماري، مرورا بملحمة استكمال الوحدة الترابية عبر ملحمة المسيرة الخضراء، وصولا إلى ما نعيشه اليوم من أوراش للتنمية والتحديث المؤسساتي والإصلاحات الكبرى  على هذه الأرض الطيبة؛ أرض الحضارة والثقافة والعبقرية والإبداع، أرض التاريخ والمنجزات والملاحم والبطولات، أرض المغرب الأقصى، منبت الأحرار وفضاء التعايش والتسامح والانفتاح على العالم،  ومعبر الثقافات المتوسطية وتلاقح الحضارات الإنسانية.

لذلك فكلنا كأبناء هذا الوطن، ينبغي أن نجعل من استحضار ذاكرتنا الوطنية، ونحن نحتفي بمسار ملك قائد كبير، من خلال الاحتفاء بالذكرى الستين لاستقلال المغرب، مناسبة سانحة ووقفة سنوية متميزة قصد الاحتفاء بالذكرى وتبليغ المعاني الوجدانية والفكرية والوطنية لهذا الاحتفاء للأجيال الجديدة، والأهم بالنسبة للأجيال الشابة، في اعتقادي، أن نعمل جميعا على استدماجها الفكري وتقوية روح الانتماء والفخر بالذاكرة الوطنية المشتركة للوطن، من خلال إرساء ثقافة الاعتراف والتثمين والاقتداء برواد الوطن وما قدموه من تضحيات وما تركوه من منجزات، إن نحن أردنا التأسيس على أرضية صلبة لبناء المستقبل المنشود.

5 – طيب أستاذ عبد الحكيم قرمان، ما هي الرسالة أو الرسائل التي تريدون بعثها من خلال هذا اللقاء الحواري؟

الرسالة الأساسية التي تحضرني وتشغل بالي منذ مدة طويلة، والتي أود مقاسمتها معكم ومع كل أبناء وطني المغرب بالداخل والخارج، هي بمثابة نداء على شكل تساؤل كبير، حول مدى قدرتنا اليوم، كأمة مغربية عريقة بتاريخها وناهضة بطاقاتها الطبيعية والمتجددة ومواردها البشرية الخلاقة، أن نعيد تشكيل ذاكرتنا الحضارية بألوانها الطبيعية الناصعة، لبعث روحها الكامنة فينا، ولتقديمها في بهائها وعبقها التاريخي للأجيال الجديدة من أبناء الوطن، خاصة ونحن نعيش في محيط إقليمي وقاري ودولي مضطرب ومأزوم ومختل الموازين ؟ وكيف السبيل لجعل هذه الذاكرة الجماعية محفزة للهمم، وطاقة متجددة لخوض رهانات المستقبل، ولتعميق المكتسبات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية لبلادنا.

6 – كلمة أخيرة أستاذ عبد الحكيم قرمان تتوجهون بها للرأي العام؟

ختاما لهذا اللقاء الطيب، يستوقفني بكثير من الاهتمام مضمون خطابين ساميين لجلالة الملك محمد السادس نصره الله، يشكلان في اعتقادي مدخلين كبيرين لعهد جديد في تاريخ أمتنا المغربية ويكرسان استمرارية البناء والتشييد والنماء لهذا الوطن. أولا، أحيلكم على الخطاب الملكي السامي بمناسبة ذكرى 20 غشت لسنة 2014، ذلك أنه جاء محملا بمضامين غاية في الدقة والبلاغة والاستشراف، خصوصا عند تأكيد، جلالة الملك، على ضرورة الاستثمار الأمثل للرأس مال الرمزي واللامادي للمغرب وجعله رافعة أساسية للتقدم والتنمية.

وكذا الخطاب الملكي التاريخي بالعيون بمناسبة تخليد الذكرى الأربعين للمسيرة الخضراء المضفرة؛ وهو خطاب في تقديري يؤسس لمرحلة تاريخية جديدة لاحت بعض معالمها من خلال الرسائل التي بعث بها ملك البلاد إلى الداخل والخارج كان أهمها:

  • الاحتفاء بأربعين سنة على انطلاق المسيرة الخضراء التي حررت الأرض ووحدت الانتماء والوجدان والمصير ولمت شمل الوطن، بما يعني القطع مع مرحلة من تدبير شؤون المواطنين بالأقاليم الجنوبية، وكدا تغيير أسلوب التعاطي مع القضية الوطنية الأولى للمغرب، بما يعني بدء مرحلة جديدة تدبيريا ومؤسساتيا وفكريا كذلك…مرحلة إرساء الجهوية المتقدمة، القائمة على التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لكل الأقاليم الجنوبية وفقا للنموذج التنموي الطموح لبلادنا…مرحلة البناء والتشييد والديمقراطية التشاركية والقطع مع كل أشكال الريع والاتكالية؛

  • المغرب دولة عريقة في التاريخ ويشكل أمة حضارية كبرى كانت وﻻ زالت حاضرة ووفية لالتزاماتها الدولية والداخلية بكل جدية ومصداقية، وعلى الجميع، سواء في الجوار آو بالمنتظم الدولي، أن يفهم بأن هذا المغرب العظيم لم يعد بإمكانه أن يقدم أي تنازل بعد مقترح الحكم الذاتي الذي اعتبر مبادرة جدية وذات مصداقية…في المقابل ماذا قدم الطرف الآخر “البوليزاريو” وخلفه “الجزائر” سوى معاكسة كل مسارات البحث عن التسوية “السياسية” واستثمار جنرالات الجزائر عائدات نفط وغاز شعبهم في الدعاية والتحريض وشراء ذمم بعض المسؤولين واللوبيات عبر العالم ضد مصالح المغرب ووحدته الترابية، ناهيك عن استثمار البوليزاريو وصانعيه الجزائريين بعضا من أبناء الصحراء المغربية في سوق النخاسة والتسول والاتجار ببؤسهم الاجتماعي لتكديس الثروات في الحسابات البنكية بالخارج،،،،؛

  • الرسالة الأبلغ من ذلك، أن الخطاب قد خاطب الحكام في الجزائر بوضوح حول المسؤولية الفعلية والرمزية المباشرة عما آلت إليه أوضاع بعض المغرر بهم في تندوف، مؤكدا بأن التاريخ سيذكر ويسجل كل الخروقات والمآسي التي تسببت فيها الجارة المفترضة الجزائر…كما خاطب انفصاليي الداخل والخارج معا، حيث أكد جلالته، أن من يشكك آو يسيء لوطنه ولثوابته الدستورية يجعل نفسه خارج الوطن، وبالنسبة لانفصاليي الخارج فقد ساءلهم ملك البلاد بحنو وصرامة الأب والقائد : هل أنتم راضون عما اقترف باسمكم من مآسي في حقكم أولا، وفي حق وطنكم ثانيا…فادا كنتم ترضون الذل والهوان والتسول، فصاحب الجلالة، لا يرضى لأي من أبناء الوطن بهذا المصير …فمن تاب عن غيه واستفاق فمرحبا به بين أهله ليعيش فالوطن غفور رحيم … والمغرب أرض الكرامة والحرية والعيش الكريم ….وأما من ارتضى عيشة العبودية والتسول لنفسه فلا يلوم اﻻ نفسه كذلك؛

  • الخطاب الملكي كان قويا في الرسائل، واضحا في المعاني والأهداف، بليغا في التركيب والتوليف بين العديد من القضايا المحلية والوطنية والإقليمية والدولية… ولعل أهم رسالة استخلصتها شخصيا من الخطاب الملكي التاريخي من قلب المغرب بالعيون أتصورها كالآتي: المغرب قد حرر أراضيه وسيواصل البناء والتشييد وفقا لنموذجه التنموي الديمقراطي المتفرد في المنطقة، المغرب كان وﻻيزال أمة متحضرة بين الأمم تحترم التزاماتها وعلى الجميع أن يدرك ذلك ، ومن يتصور أن المغاربة ملكا وشعبا قد يرضخون للمساومة بآي شكل ومن أيه جهة كانت فهو واهم أو بالأحرى عليه أن يقرأ التاريخ العظيم لبلد وأمة عظيمين كالمغرب…والمغاربة عند الامتحان يضعون أيديهم في أيدي بعض ويشتغلون ويعملون ويجدون من أجل رقي وعزة الوطن….فلكل المغاربة أبناء الوطن بالداخل والخارج أهنؤكم بعيد المسيرة الخضراء الأربعين وكل عيد ونحن مدعوون إلى العمل والمثابرة فالعمل ثم العمل….عاش المغرب أمة رائدة ومتقدمة بشعارها الخالد : الله الوطن الملك

وفي هذا الباب، يبدو لي أن هذين الخطابين يشكلان الجواب الشافي عن التساؤل الذي طرحناه حول كيفية استثمار الموروث الحضاري العريق للمغرب وتثمين الذاكرة الوطنية برؤية تنموية استشرافية، تأكيدا، للهوية الحضارية والثقافية الغنية للأمة المغربية، ضمن المشروع التنموي الوطني برؤية متجددة تضع الإنسان المغربي في محور الاهتمام وكمصدر وهدف للتنمية المستدامة المنشودة.

                         والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

 

تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد