بقلم: محمد لشياخ
كلما فتح النقاش الأزلي حول حق المرأة في الوجود والحياة، إلا وكان هذا الأخير كحبال الحشاشين التي تخنق أوداج الجميلات، اللواتي التوى عليهن التاريخ التواء الغادرين، وهو الذي يعود إليهن دائما مسموما بسخاء ذكوري لا يخفي رغبته المفضوحة في التحكم وإعطاء عطاء من لا يملك. وإني لست معاتبا إلا النواعم اللواتي يملكن نصف الهواء ونصف الماء، نصف الشمس ونصف الظل،.. وكل الألم، ثم يقبلن بقليل من الفرح..
ألومهن لأني عشقتهن منذ ربيع الثقافة، عندما أخبرتني الكتب، أن زمنهن قبل العصور، كان أميسيا، حينما حكمن العالم والرجال.. حينما كن الملكات والأميرات والعاشقات الساخطات والكاهنات الصوفيات، من أقصى الشرق إلى عتبة قلمي هذا، وهو يرثي زمن الورد هامسا إلى وجع النسيم في عيون سبايا وطني الكبير جدا.. إلى العائدات من طريق الحرير إلى بحر الحرائر على ألواح خشب الصنوبر الذي يغتال على مدبح الموج ألف حواء و ألف بطن.
وفي الأمل نبوة العارفين، بأنك تقدرين رغم الضباب المسلط على أرض الياسمين، أن تخرجي وفي يدك قنديلا من زيت الأفكار و جغرافية الأمصار، لتسلكي بيننا كما سلكت منذ ألف عصر، كسيدة لا تتملق نسمة حياة، وبأنك مهما نوّموك بأثير الخوف ليتكالبوا على جسدك المباح بتقاليدنا وأوهامنا، فلا بد أن تستفيقي من عمش الظلام.
إنه عصرنا المخرِّف الذي أمات الحياة بين ضلوعنا، وقتل ماشاء من الفراشات. عصر قلب ظهر التاريخ على وجهك ليصادر حقك في الحياة، وتوسل لذلك بفكر ديني مغالط لا يفقه في ظواهر الحق التي أنيطت بخلفاء الأرض. ذلك الفكر الذي بُيِّت زمن الجهالة ليدعس زقوما على شفاه الوطن والإنسان اللذين نحلم ببنائهما.
إنهم يا حلمي الرومانسي، يغتالونك عبر صمتك المستسلم لعزلة الذات، منذ اخترت يا صديقتي الوجودية أن تهربي إلى خوفك اللاأنثوي، لتتربصي بحيضك وعورتك تاركة نصف العالم الآخر في غيابك المفزع، يسرق لون السماء لينسيك بهرج الألوان التي تغطي جسدك الشهي، ويخطف غمزات الشمس لينفيك في لحاف القز المسود بإرث البائدين، وليخنق حديث الثائرين ممن عشقوك، كي لا تتعلمي أبجدية الكفاح التي ستلهيك عن جهاد النكاح.
هو الغياب، موتك البطيء الذي يأخذك بعيدا عنا، ليستفرد بوعيك المخدوع، لعله يقنعك بألا تحلمي بمقاسمته الجسد والأرض، ولتقبلي اشتراطه عليك بأن تمضي على صك سبيك في زمن الحداثة، فتعيشي عيشة المنفيات في وعي العالم الجديد الذي بدأ في تلك الأراضي خلف البحر، يبني للنساء حاضرا وواقعا يؤمن بالمساواة والحق. هو النفي يفقأ عينيك لكي لا تلوني دفترك و شعرك وتنورتك بلون الربيع الجديد. فهم خائفون من أن تطول ضفائرك، فتمتد فوق البحر متحررة من أثواب الظهور والحضور.
إنهم يستولون على الحياة بقتلك الجميل، ويعيدون كتابة أقدار ليست من سنتنا في إرث الأرض والجمال. فهم يكرهون الفجر، لأنه يموت منتحرا ليحرر الحياة، ويلعنون الورد، لأنه أحمر وداعر يبعث على الاشتهاء، ويكفرون العنب لأنه معقود كشفاه النساء، ويرجمون ماء البحر لأنه ذكر، قد يزني بك لحظة اختلاء. فهل يا حلوتي بعد كل هذا الوصف المخل بالحياء، ما زلت لا تنوين الانتفاضة على خرافة الجهلاء.