المغربية إيمان غانمي رئيسة منظمة فضاء المواطنة والتضامن : نحتاج إلى إعادة تمثل معنى السياسة ووظائف الحزب السياسي

حاورها : عبدالحق بن رحمون

 1. ألقى العاهل المغربي خطابا ملكيا بمناسبة عيد العرش، ما هي قراءتكم لمضامين هذا الخطاب؟

لقد شكل الخطاب الملكي السامي بمناسبة عيد العرش حدثا وطنيا بدلالات بليغة وتاريخية. فقد كان منهجيا في الطرح، واضحا في الرؤية، وحاسما في المقاربة

لقد استمعت إلى خطاب جلالة الملك بكل إمعان. وبكل موضوعية، أعتبر هذا الخطاب حدثا وطنيا بدلالات بليغة وتاريخية. فهو خطاب توجيهي يحدد أهم الرهانات والتحديات التي يباشر المغرب خوضها بعزم ويقين وإرادة ملكية راسخة في مواصلة العمل الدؤوب على مختلف الواجهات التنموية اقتصاديا، واجتماعيا، بما يحقق العيش الكريم لكل أبناء الوطن، في الداخل و في الخارج، ومضاعفة الجهود التي تبذلها الدولة بقيادة جلالة الملك من أجل الارتقاء بالأوضاع العامة للمواطنين بالمغرب العميق، الذين لا زالوا يعانون من وطأة الفقر والجهل والهشاشة ولم يستفيدوا بعد من خيرات البلاد. وهو نفس الحرص الذي أكد عليه جلالته في خطابه السامي، بخصوص إصلاح المنظومة التربوية والتعليمية ببلادنا، بمقاربة غير مسبوقة، قائمة على تمكين أبناء الوطن من نظام تعليمي ينشؤهم على تملك كل مقومات الغنى والتنوع المشكل للهوية الثقافية الموحدة للأمة، من جهة، كما يؤهلهم لولوج مختلف المسالك العلمية والتقنية، والمهنية التي تكسبهم المعارف والعلوم والخبرات العصرية الضرورية لولوج عالم الشغل. كما أكد جلالته على أن هذه المنظومة التربوية موضوع الإصلاح، ينبغي أن ترتكز على الدعامات اللغوية الوطنية لتعزيز الانتماء للوطن، مع الانفتاح على مختلف اللغات الحية العالمية لتشكيل ملامح الشخصية المغربية المتوازنة في إطار من الأصالة، والتسامح، والانفتاح على العالم، تكريسا للعبقرية المغربية في التعايش والتعاون والتضامن والحوار مع ثقافات العالم.

ولقد كان الخطاب الملكي السامي منهجيا في الطرح، واضحا في الرؤية، وحاسما في المقاربة، خصوصا فيما يتعلق بمسألة جوهرية وحيوية في الكينونة الروحية والعقدية الأمة المغربية، حيث ترسخت قيم الوسطية والاعتدال، وفقا للمذهب السني المالكي، ذلكم المذهب الذي أصله المغاربة في ممارساتهم لشعائر دينهم الإسلامي السمح، في نطاق من التميز في السلوك والممارسة، مما جعل المغاربة يتعايشون على مر العصور مع باقي الديانات والمذاهب الأخرى. وقد صنع المغاربة انطلاقا من هذه الرؤية النموذجية للشؤون الدينية والدنيوية حضارة عريقة، ساهمت ولا تزال في تكريس ونشر المحبة والسلم والأمن والتسامح عبر العالم. وبالتالي فجغرافية وتاريخ المغرب لم ولن يقبلا استبدال كل هذا الرصيد المشرق في محيط تتنازعه تيارات ظلامية نكوصية ومتطرفة. ولعل المغاربة بقيادة أمير المؤمنين، حامي حمى الملة والدين، سيتصدون بالغالي والنفيس لكل نزعة أو تيار مستورد أو مدفوع من الخارج.


2. يمر المغرب بمحطة هامة تتمثل في أول انتخابات بعد دستور2011؛ ما هو تقديركم لهذه الاستحقاقات من موقعكم كفاعلة في المجال العام ؟

الاستحقاقات الانتخابية القادمة من شأنها أن تؤسس لتحولات دالة نحو مرحلة جديدة سيعرفها الفضاء السياسي بشكل عام والحزبي بشكل أخص، قد تفضي إلى إعادة تشكل هذا الفضاء، كما ونوعا

من نافلة القول، التأكيد هنا على أن الممارسة السياسية السوية والديمقراطية في أي بلد، ارتضى لنفسه نظاما سياسيا مبنيا على التعددية الحزبية المؤطرة بالمنهجية الديمقراطية، وفي كنف الضوابط المؤسساتية والدستورية، لا يمكن أن تفضي إلى بناء ديمقراطي تراكمي بدون وجود أحزاب سياسية حقيقية، تضطلع بمهامها ومسؤولياتها المجتمعية عبر التنشئة السياسية لأوسع فئات المواطنين، والتأطير الفكري والتنظيمي لمنخرطيها بشكل يتيح لهذه الأحزاب إمكانية انتقاء النخب الكفؤة في كل المجالات، كما يجعلها قادرة على إرساء مقومات ثقافة سياسية بمرجعيات فكرية واضحة المعالم، وبالتالي امتلاك الرؤية السياسية والبرنامج السياسي، فيما نصطلح عليه ب “الأحزاب الحاملة لمشروع مجتمعي”، لتمييزها عن ما دونها، من باقي التشكيلات التي تفتقد إلى بعض مواصفات الحزب السياسي بالمعنى المتعارف عليه في تعريفات علم الاجتماع السياسي.

وانطلاقا من هذه الفرضية، تنبغي الإشارة إلى أن المغرب، قد اختار منذ فجر الاستقلال، هذا التوجه القائم على التعددية الحزبية والفكرية المشكلة للحقل السياسي كتعبير عن تعدد المشارب والحساسيات الإيديولوجية التي تبلورت و تطورت في مخاضاتها التجربة الديمقراطية المغربية الواعدة في سياقها الإقليمي والقاري. ودون الرجوع إلى استقراء مختلف المحطات السياسية والدستورية و الاستحقاقات الانتخابية التي تمخضت عنها في السابق، يمكن الجزم بأن سلسلة المحطات الانتخابية المقبلة التي ستخوضها بلادنا، في كنف دستور2011، بما له من حمولة سياسية ومؤسساتية، وأبعاد وتمثلات مجتمعية، وما تفرضه المقتضيات الواردة فيه من تحديات ورهانات، ستشكل نقطة انعطاف بالغة الدلالات والعبر، في مسار تعميق التجربة الديمقراطية المغربية على المستوى “الماكروسياسي”، كما من شأنها أن تؤسس لتحولات دالة نحو مرحلة جديدة سيعرفها الفضاء السياسي بشكل عام والحزبي بشكل أخص، قد تفضي إلى إعادة تشكل هذا الفضاء، كما ونوعا. وفي كل الأحوال، أعتقد أن هذه التحولات المتوقعة، في المشهد السياسي والحزبي على السواء، تجد مبرراتها في مجموعة من المحددات، من بينها:

  • نسبة المشاركة العامة للمواطنين وخصوصا الشباب والنساء والفئات المتنورة، ومحاربة كل أشكال الفساد الانتخابي واستعمال الوسائل غير المشروعة؛
  • مدى قدرة وجاهزية وصلابة الآلة الحزبية، ونجاعتها البرنامجية والتنظيمية في استيعاب المتغيرات والرهانات و الانتظارات الحقيقية للمواطنين؛
  • نوعية المرشحات والمرشحين الذين سوف تنتقيهم الأحزاب، لانجاز المهام الانتخابية من حيث النزاهة والمصداقية، والخبرة والكفاءة الميدانية، والارتباط بالمواطنين، والقدرة التواصلية لهؤلاء المرشحين على كسب ثقة الناخبين؛  
  • الوسائل اللوجيستيكية والتواصلية، والمؤهلات التعبوية والترافعية لهياكل القرب الحزبية؛
  • و الأهم أن تمر في ظروف تحكمها الممارسات الديمقراطية السليمة ويسودها جو التنافس الشريف وتباري البرامج في نطاق الدستور والقانون بدل تباري المرشحين.

خلاصة القول، نتطلع لأن تكون الاستحقاقات الانتخابية القادمة في مجملها تمرينا ديمقراطيا يعكس الإرادة العامة للمواطنين، ويقوي رصيد التجربة الديمقراطية ببلادنا، ويتيح الفرصة والمجال لنخب سياسية شابة ونسائية جديدة والحد من استمرار نفس الوجوه والممارسات التي كانت من أهم أسباب العزوف السياسي ببلادنا. وهنا تحضرني بعض المقولات التاريخية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس في أكتوبر 2003 خلال افتتاح الدورة الأولى من السنة الثانية من الولاية التشريعية السابعة، حين أكد جلالته: “ألا ديمقراطية بدون ديمقراطيين وأن الديمقراطية طريق شاق وطويل، وليست ميدانا صوريا لحرب المواقع”؛ قبل أن يضيف:

“وكيفما كان تركيب المجالس المنتخبة، فإننا لن نكف عن طرح السؤال الجوهري: هل يعد الانتخاب غاية في حد ذاته، ونهاية المطاف؟ كلا، فإن احترام الإرادة الشعبية يقتضي نبذ عقلية ديمقراطية المقاعد، والالتزام بفضيلة ديمقراطية التنمية”.

 

3. لقد بوأ دستور2011 مكانة بارزة للمجتمع المدني كشريك في السياسات العمومية. إلى أي حد تم تفعيل مضامين الدستور المرتبطة بدور المجتمع المدني؟ وما الذي تحقق في هذا الباب؟ ألا ترون أن القادة السياسيين في أغلب الأحيان، يحاولون تقزيم دور جمعيات المجتمع المدني، وإقصاء الفاعل الجمعوي الذي قد يكون أقرب إلى المواطنين بحكم اشتغاله الميداني؟

نتفهم عن وعي وصبر وبعد نظر، كأجيال شابة مخضرمة، إكراهات التدافع والتباري بين الأجيال، بل وحتى بعض السلوكات المعبرة عن مشاعر الغيرة وأحيانا الحسد، لأننا نحمل حلما بحجم الوطن، وسنظل فداه في كل المحن.

إن الحديث عن الأدوار الدستورية التقليدية والمستجدة بالنسبة للأحزاب السياسية في مقابل الأدوار الدستورية الجديدة الموكولة للحقلين معا (الحقل السياسي والحقل المدني) بموجب دستور2011، قد وضحت وأرست وظائف ومهام وغاية كل من الأحزاب السياسية من جهة، ومكونات المجتمع المدني من جهة ثانية، في شكل منظومة حقوق والتزامات مؤسسية ومجتمعية، تتكامل في نطاق الرؤية الاستراتيجية لبناء الدولة الديمقراطية الحديثة القائمة على قيم المواطنة واحترام الحقوق والحريات الفردية والجماعية، وإعمال المقاربة التشاركية، في إطار وضع السياسات العمومية المختلفة…كل ذلك يجعل من المجتمع المدني قوة اقتراحية ثالثة بين المجتمع وباقي السلطات التشريعية والتنفيذية؛ وهو بهذه الصفة الترافعية، التطوعية، المبادرة والمحفزة والمنتقدة، يساهم في تنشيط وتأطير فئات مجتمعية واسعة، كنسيج ناظم للبنيات و العلاقات، وآلية للتعبير عن التطلعات لمختلف الحساسيات والفعاليات السوسيوثقافية بالمجتمع، باعتبارالمجتمع المدني شريكا للدولة وهيئاتها التنفيذية والمنتخبة في بلورة وتتبع وانجاز وتقييم وتقويم السياسات العمومية. لكن يبقى التحدي الأكبر هو التفعيل السليم والتنزيل الحقيقي للمقتضيات الدستورية المتصلة بوظائف وأدوار ومهام المجتمع المدني، بالنظر لكون العديد من الممارسات والعقليات المعاكسة لهذا المنحى الدستوري لدى بعض الفاعلين في المجال السياسي مثلا، والحزبي على وجه الخصوص، حيث يعتبرون، وبالتأكيد عن جهل، أو ربما عن تجاهل لمضامين الدستور في هذا الباب، بأن الدينامية التصاعدية للحركة المدنية بالمغرب في السنوات الأخيرة، بما لها وما عليها، قد استبقت الفاعل الحزبي فكريا على مستوى تصريف المواقف والقيام بالمبادرات النوعية. كما أن هناك من بين هؤلاء، من يسعى من خلال بث هذا النوع من المواقف إلى محاولة ذر الرماد في العيون للتمويه عن الاختلالات الحقيقية لما تعيشه البنية الحزبية التي يمثلها من اختلالات بادية للعيان، في التدبير، والتسيير والتأطير والتفكير والتأثير، في مقابل الطاقات والفعاليات المدنية الجادة، الفاعلة في الميدان، والمشهود لها بالتجربة النضالية الطويلة، الموشومة بالنزاهة والمصداقية والخبرة والتجربة المكرسة. طبعا، نفهم إلى حد بعيد، كأجيال شابة مخضرمة، إكراهات التدافع والتباري بين الأجيال، بل ونتفهم عن وعي وصبر وبعد نظر، حتى بعض السلوكات المعبرة عن مشاعر الغيرة وأحيانا الحسد، وفي مستويات أعلى الحقد ومحاربة النماذج الناجحة، لكن. ونحن كدولة ومجتمع نعيش مرحلة تاريخية مصيرية في حياة شعبنا وأمتنا، وما يتهددهما من أخطار محدقة، تتربص بنا من الخارج، محملة بأشكال مشوهة من المعتقدات والأفكار، ذات المسوحات العقائدية الغريبة والمتطرفة، نجد أولئك المتهافتين الصغار، من بني جلدتنا، يشكلون على قلتهم، من دعاة الحقد والكراهية والتحريض والتخوين والتجهيل، الاستثناء عن القاعدة، وبالتالي أقول لهم، من خلال منبركم الموقر، قد خيبتم ظننا فيكم، وأصبحتم صغارا في الطموح والرؤية، بل أصغرمن ذواتكم. لكننا نحمل حلما بحجم الوطن، وسنظل فداه في كل المحن.

 

4. في كل الاستحقاقات يطرح سؤال حضور المرأة والشباب. في نظركم هل مكنت الكوطا المرأة المغربية من تبوأ المكانة اللائقة بها؟

أعتقد أن التجسيد الفعلي لحضور حقيقي ووازن، ناجع ومؤثر للنساء والشباب في المشهد السياسي، ينبغي أن يكون قرارا نضاليا، وميدانيا، للنساء والشباب أنفسهم من داخل هيئاتهم السياسية، لا أن يكون قرارا بالنيابة عنهم.

في اعتقادي أن مسألة الحضور النسائي والشبابي في النقاشات العمومية، خصوصا منها في أوساط السياسيين  والحقوقيين والمجتمع المدني والإعلام، ليس بالجديد. فهذه القضية شكلت لسنوات طويلة إحدى أهم المطالب الديمقراطية التي ناضلت من أجلها أجيال متلاحقة من القوى الحية والتقدمية في المجتمع (أحزاب ديمقراطية و تقدمية، وهيئات نقابية وحقوقية، وفعاليات طلابية وشبابية وحركات نسائية وإعلام ومثقفين متنورين…)، بدءا من رائدات ورواد الصف الوطني التقدمي، وكذا الديمقراطي الليبرالي، مرورا بالمراحل الأولى لبداية تجسيد جزء من هذه المطالب، من خلال مبدأ التمييز الايجابي واعتماد مقاربة النوع إلى إصلاح مدونة الأسرة وقانون الجنسية، وكل هذه الأوراش الهامة ما كانت لتتحقق على أرض الواقع، لولا الإرادة الملكية السامية الدافعة في اتجاه تبوئ المرأة المغربية المكانة اللائقة بها في كل المجالات.  كل ذلك جعل المغرب ينتقل في ظرف وجيز من مرحلتي المطالبة بحقوق النساء والشباب، ثم التجسيد التدريجي عبر الآليات المذكورة، وصولا إلى نقطة التحول التاريخية بكل المقاييس، في ظل دستور2011 الذي نص و أقر في فصله التاسع عشر بمبدأ المناصفة والمساواة بين المواطنين (المرأة والرجل) في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية والبيئية…؛

وهذه القضية أصبحت تشكل الآن إحدى العلامات المضيئة البارزة في النموذج المغربي، المتميز في سياقه وأبعاده. لذلك، أتصور أن كل التدابير والآليات التي تم اعتمادها، في إطار التوافقات الكبرى بخصوص تمثيلية النساء والشباب، كمرحلة انتقالية، في تكريس المناصفة والمساواة بشكل طبيعي كما أقرها ويضمنها الدستور، تظل، على أهميتها، ظرفية واستثنائية، و ينبغي أن يتطرق النقاش العمومي من جديد بجدية وعمق، في الأمد المنظور، إلى السبل المثلى لأجرأة  النص الدستوري في واقع الفعل والممارسة اليومية للمجتمع. وطبعا هذه ليست مسألة سهلة ومتصلة فقط بالجانب التشريعي والقانوني، بل أدعو شخصيا إلى جعل قضية المساواة موضوعا محوريا في منظومة التربية والتكوين، وتغذيتها ومواكبتها إعلاميا، وعبر شبكات التواصل الاجتماعي ومختلف بنيات التنشئة الاجتماعية والثقافية. هي إذن هنا والآن، قضية مجتمع بكامله ولم تعد محصورة فقط في المجال السياسي والنخبوي. من هنا، إذا استطاعت أعداد كبيرة من النساء والشباب ولوج العمل السياسي وفرض مكانتهم عن جدارة واستحقاق،(بعيدا عن اعتبارات المحاباة والمفاضلة الأسرية والانحدار الاجتماعي والقبلي أو الحظوة والنفوذ الاقتصادي، والتي من شأنها تمييع العملية برمتها، بحيث قد يستعمل الحق ليراد به الباطل، متى تم التركيز على إعطاء الأسبقية للنساء والشباب بناء على منطق الولاءات على حساب الاستحقاق)، وإذا استطاع الأكفاء من المرشحين النساء والشباب، أن يحتلوا مواقع انتخابية مهمة، وأن يحوزوا ثقة الناخبين، وبالتالي الحصول على مواقع مؤثرة في تدبير الشأن العام، حينها نكون قد باشرنا التكريس الميداني للمقتضيات الدستورية بشكل طبيعي وسليم.  باختصار، أعتقد أن التجسيد الفعلي لحضور حقيقي ووازن، ناجع ومؤثر للنساء والشباب في المشهد السياسي، ينبغي أن يكون قرارا نضاليا، وميدانيا، للنساء والشباب أنفسهم من داخل هيئاتهم السياسية، لا أن يكون قرارا بالنيابة عنهم.

 

5. وبخصوص التسجيل في اللوائح الانتخابية. ألا ترون أن جل الأحزاب تغفل تأطير الشباب على الخصوص بأهمية هذا الأمر، أو تنخرط فيه بشكل متأخر، وهل المغرب انتهى من زمن الأعيان و الولاءات للأشخاص لإعطاء الفرصة للأطر المدنية والسياسية والنقابية الكفؤة لتكون في مقدمة اللوائح؟

أجدد الدعوة للنساء والشباب إلى أخذ زمام الأمور بأيديهم إن هم أرادوا الترافع بشكل جدي ومنهجي ومقنع حول قضاياهم

إن هذا الموضوع شاسع و ذو أبعاد متعددة، يتداخل فيها الاقتصادي بالسياسي بالثقافي وبمستويات مختلفة. ولربما يحتاج موضوع من هذا الحجم لوحده دراسات وأبحاث اجتماعية ونفسية، للوقوف بدقة عند كل مستويات الإشكالية المرتبطة بعزوف فئات مهمة من الشباب عن العمل السياسي. وشخصيا اطلعت على العديد من الدراسات والأبحاث القيمة من إنتاج وإشراف خبراء وباحثين وأساتذة جامعيين مغاربة، تقارب هذه الإشكالية من كل زواياها وترصد مكامن الخلل وتطرح المسالك الجديدة والبدائل الممكنة لمصالحة الشباب مع العمل السياسي. لذلك بالنسبة لي شخصيا، أنطلق في تفسيري المتواضع لتعاطي بعض الأحزاب السياسية مع هذا الموضوع، بالأسلوب الذي تفضلتم بذكره، بأن فاقد الشيء لا يعطيه. ومعنى ذلك، أن هذه الهيئات السياسية لا تشتغل على الإشكالية المطروحة في العمق، ولا تستثمر بالشكل الأمثل التراكم البحثي والفكري والعلمي الذي تتوفر عليه البلاد، بل والأغرب من ذلك، لا تستفيد حتى مما ينتجه مثقفوها ونخبها. ومن هنا، أتساءل معكم، إذا كانت هذه الهيئات، “منشغلة” فعليا وحاملة لـِهَم مشاركة الشباب والنساء، فما هو حجم إنتاجها الفكري والنظري والوثائقي والبرنامجي الذي تم عرضه على الشباب المغربي والنساء المغربيات، سواء قصد المدارسة، أو المجادلة أو من باب التأمل؟ وهل من وثائق وبدائل في هذا الشأن معروضة اليوم في الساحة السياسية ؟… وعليه، أجدد الدعوة للنساء والشباب إلى أخذ زمام الأمور بأيديهم إن هم أرادوا الترافع بشكل جدي ومنهجي ومقنع حول قضاياهم.

 

6. بصفتكم فاعلة في المجال العام، ما هي في نظركم الضمانات لشفافية هذه الاستحقاقات؟

لقد راكم ما يكفي من التجارب في تدبير الاستحقاقات الانتخابية، وفي حالة وقوع خروقات أو تسجيل تقصير أو تجاوزات من أي جهة كانت، فالمغرب بلد مؤسسات والمغاربة جميعهم سواسية بموجب القانون أمام القضاء

أعتقد أن المغرب قد راكم ما يكفي من التجارب في تدبير الاستحقاقات الانتخابية من هذا النوع، والملاحظ أن هناك تطور ملحوظ من استحقاق إلى آخر على مستوى ضمانات نزاهة الانتخابات، ولعل آخر انتخابات شهدها المغرب إبان تشريعيات 2011 اعتبرت بشهادة الخبراء والمختصين بالداخل والخارج استحقاقات سليمة. وعليه، إن استمر السير على نفس المنهاج، مع احترام وتقيد الفاعلين السياسيين بالمقتضيات الدستورية، وبالقوانين المؤطرة لهذه العملية، سوف يضيف المغرب لبنة جديدة لتعزيز مساره الديمقراطي المطرد. وفي حالة وقوع خروقات أو تسجيل تقصير أو تجاوزات من أي جهة كانت، فالمغرب بلد مؤسسات والمغاربة جميعهم سواسية بموجب القانون أمام القضاء.  

 

7.كيف تنظرون إلى الطريقة التقليدية التي تتم بها إدارة الحملات الانتخابية، والتي تعتمد على توزيع الأوراق بما في ذلك من إساءة إلى البيئة؟ ألا تعتقدون أن الأحزاب السياسية مطالبة اليوم بإبداع آليات جديدة “نظيفة” بالمعنى البيئي والأخلاقي للكلمة؟

نحتاج إلى إعادة تمثل معنى وماهية السياسة وغاية ووظائف الحزب السياسي. ولربما ستوفق الأجيال الفاعلة والنشيطة في المجال الافتراضي في ما استعصى على الأجيال التقليدية

أتفق معكم على كون العمل السياسي عموما، والحزبي منه على وجه التحديد، مجال حيوي للتفكير والإبداع  والتجريب والتصويب، ولذلك، وكما نرى في بعض التجارب الديمقراطية المتقدمة، فان الحملات الانتخابية للأحزاب السياسية تتطور وتتجدد من حيث الشكل والمضمون، والتقنيات والوسائط التواصلية والمقاربات بشكل مستمر، أخذا بعين الاعتبار التطورات الحاصلة في المجتمع ونوعية التطلعات المعبر عنها من لدن الكتلة الناخبة، وكذلك الرغبة والضرورة المتمثلتين في الارتقاء بالعمل السياسي وسعي كل الهيئات السياسية المتبارية لتقديم أفضل ما لديها من نخب، وأرقى ما توصلت إليه من برامج وأفكار وبدائل مستقبلية، وكل ذلك، يساير الوعي المجتمعي العام في مجال الحكامة الجيدة، للموارد والإمكانيات، والجماليات المتصلة بالعرض السياسي المقترح، ومدى مواءمة المناخ العام السائد في الانتخابات لمعايير الأخلاقيات والبيئة.

من هذا المنطلق، نطمح في المغرب أن تصل أحزابنا إلى نفس المستوى في إدارة وتدبير الحملات الانتخابية. لكن طبعا بين الطموح المشروع للأجيال الجديدة من سياسيين، وبين تحقيق الغاية المنشودة، تظل هناك مسافة فاصلة بين النقطتين، وتحتاج إلى إعادة تمثل معنى وماهية السياسة وغاية ووظائف الحزب السياسي. وهذا هو المدخل الحقيقي للإشكالية في تقديري. ولربما ستوفق الأجيال الفاعلة والنشيطة في المجال الافتراضي في ما استعصى على الأجيال التقليدية.

 

8.ما رأيك في المرشحين الذين يديرون حملاتهم الانتخابية من خلف مكاتبهم المكيفة، بدل النزول إلى الشارع لملاقاة المواطنين بشكل مباشر، علما أن المغرب لازالت فيه قرى نائية تعاني مظاهر الجهل والفقر والأمية ولم تصل بعد إلى مستوى التواصل عبر التكنولوجيات الحديثة، كما عاينت ذلك عن قرب بالتأكيد من خلال القوافل والأنشطة الاجتماعية التي تقومين بها في إطار فضاء المواطنة والتضامن؟

آمل أن تتطور الممارسة الحزبية السليمة في المستقبل حتى لا يجد من يديرون حملاتهم من خلف مكاتبهم المكيفة مكانا لهم في كل مواقع العمل الحزبي أو نبتلى بهم في مجال تدبير الشأن العام

انطلاقا من مبدأ “الحكم على الشيء فرع من تصوره”، أريد التركيز بالأساس على كون المرشح “الأمثل”، حتى لا أقول المثالي، تتحدد مواصفاته حسب طبيعة المجال الانتخابي، والسياق السوسيوثقافي، في ارتباط وطيد بالحاجيات المعبر عنها من لدن الناخبين، والحمولة البرنامجية للحزب الذي ينتمي إليه المرشح. فكلما كانت هذه المحددات قد احترمت عند البحث والتنقيب أو انتداب إطار أو مناضل حزبي لمهمة مرشح، فإن  العملية الانتخابية تكون في مجملها متناسقة البنيان. وفي معظم الأحيان، يصبح المترشح المتباري ورقة رابحة في الدعاية السياسية وتصريف الخطاب والبرنامج الحزبي، وتجاوب المواطنين. فإن كسب الرهان، عزز الرصيد التمثيلي للحزب، وقوى نفوذه الجماهيري في المجال الترابي الذي انتخب فيه. وإذا لم يوفق في الحصول على مقعد، يكون قد أرسى وأسس أرضية صلبة لاستثمارها في الاستحقاقات المقبلة. أما فئة المرشحين من قبيل ما ذكرتم ومن على شاكلتهم، فآمل شخصيا أن تتطور الممارسة الحزبية السليمة في المستقبل حتى لا يجدوا مكانا لهم في كل مواقع العمل الحزبي أو نبتلى بهم في مجال تدبير الشأن العام.

 

9. هل أنت مرتاحة ومقتنعة سيدتي بما يحدث الآن في الساحة السياسية، وهل الوضع الحالي صحي وسليم؟ وهل تعتقدين أن الأحزاب السياسية بالمغرب مستعدة لخوض هذه الاستحقاقات التي تأتي في صيف ساخن، خصوصا أن الشروع في التهيئ لها جاء متأخرا ؟

أعتز، ويحق لكل المغاربة أن يعتزوا ويفتخروا بما صنعه الأجداد والآباء والأبناء والأحفاد، في ظل العروة الوثقى من أمجاد

إن سؤالكم سيدي عميق ومركب. و يحتمل بشقيه الجواب بنعم ولا. لكن في كلا الحالتين، لا يمكن لأي مواطن أو مواطنة، متشبع (ة) بعراقة وأمجاد وطنه، وملتزم(ة) بالنضال من أجل قيم الحرية، والمساواة، والمناصفة، والعدالة الاجتماعية، ودولة الحق والقانون، ببعد وطني ديمقراطي، وبأفق إنساني، أن يرتكن إلى السكون والثبات في الحالتين معا. بمعنى أدق، هناك دائما كفتان للميزان، إحداهما تمثل ثقل السلبيات، التي لا تبعث على الارتياح، وفي المقابل، هناك كفة رصيد الايجابيات التي تجعلك يقظا ومحفزا على الدوام للنضال والذود عنها كمكتسبات، ومكافحا منافحا في وجه كل السلبيات سعيا للإسهام ضمن الإرادة العامة للمجتمع الدافعة نحو الخير وترجيح الكفة الأفضل. وفي هذا السياق، أقول لكم بكل فخر واعتزاز، نحمد الله، أن هذا البلد الآمن، المعروف تاريخيا بالمملكة الشريفة، قد حباه الله في سياقه ومحيطه، الإقليمي والقاري، على مر العصور، بتلاقي إرادتين أساسيتين، تفاعلتا وانصهرتا، في بوثقة حضارية واحدة، و التحام الشعب المغربي(بعظمة منجزاته التاريخية و عراقة حضارته التليدة، بكل مكوناتها وروافدها، الأمازيغية، والعربية والحسانية والأندلسية والإفريقية والعبرية) بإرادة قادته وملوكه العظام، منذ قرون خلت. حيث توافقت هاتان الإرادتان تاريخيا في السراء والضراء، وعند الشدائد، والفتوحات والرفاه، والسلم والحروب. فعلى مستوى الاستقرار السياسي والمؤسساتي والأمن والسلم الاجتماعي، توفرت بلادنا على الدوام والحمدلله، ولا تزال، على كل مقومات الدولة المستقرة المتحضرة. لذلك فإنني أعتز، ويحق لكل المغاربة أن يعتزوا ويفتخروا بما صنعه الأجداد والآباء والأبناء والأحفاد، في ظل العروة الوثقى من أمجاد.

 

10. عفوا سيدتي، تعلمين أن المواطن في كل الاستحقاقات ينتظر الجديد من الأحزاب في برامجهم ومشاريعهم، والتي نلاحظ أنها تتشابه في مجملها. كفاعلة في المجال العام، ما الذي تغفله الأحزاب في برامجها؟

إن السياسة عموما والنضال الحزبي على وجه التحديد، قد فقدا للأسف بريقهما و جدواهما الدلالية والرمزية، في أعين فئات واسعة، وخصوصا في أوساط الشباب وفئة من المتنورين

فيما يتعلق بالمجال السياسي بمعناه النسقي الحزبي، فهنا تستوقفني الكثير من الاختلالات البينة في بعض الحالات. وحتى لا أكون متحاملة في تقديري المتواضع، ينبغي التذكير بأن المشهد الحزبي في مجمل مكوناته وحساسياته الفكرية، بالرغم من كل ما ذكرت، يشكل تجربة غنية ومتميزة في تجربتنا المغربية الديمقراطية الواعدة. و بالتالي فقد عرف هذا الحقل محطات تأسيسية هامة إبان مرحلة النضال من أجل استقلال البلاد و ما واكب ديناميات الحركة الوطنية المغربية قبل وإبان وبعد الحصول على الاستقلال، ثم مرحلة تكريس التعددية الحزبية والسياسية إبان فترة النضال من أجل بناء الدولة الديمقراطية، وتكريس الأجيال الثلاثة لحقوق الإنسان بعناوينها المتمثلة في الحقوق الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية والمدنية، وصولا إلى تدشين عهد التوافقات الكبرى في إطار مسارات ما اصطلح عليه بالمسلسل الديمقراطي أولا، ثم تجربة التناوب التوافقي ثانيا، وصولا إلى مرحلة تجربة الانتقال نحو الديمقراطية لما بعد دستور 2011.

وكخلاصة لهذه المراحل السالفة الذكر الكبرى، مقارنة بما نعيشه الآن، يمكن الجزم بأن السياسة عموما والنضال الحزبي على وجه التحديد، قد فقدا للأسف بريقهما و جدواهما الدلالية والرمزية، في أعين فئات واسعة، وخصوصا في أوساط الشباب وفئة من المتنورين، و يعزى ذلك في تقديري إلى مجموعة من الأسباب، أذكر منها:

  • اضمحلال التنشئة الفكرية والتنظيمية والتربية على المواطنة والقيم الإنسانية داخل بعض الهيئات الحزبية كما كان معهودا في السابق؛
  • غياب بعض الأحزاب السياسية من فضاءات التوعية والتأطير السياسي والنقابي والفكري من رحاب المدارس والمؤسسات التعليمية والجامعات (نموذج الاتحاد الوطني لطلبة المغرب)؛
  • “المغادرة الطوعية” لهذه الأحزاب السياسية لبعض الفضاءات و المجالات النخبوية والتأطيرية التي كانت إلى وقت قريب تشكل امتداداتها وأذرعها المؤثرة في صناعة وتوجيه الرأي العام (الطبقة العاملة في المدن والبوادي-أصحاب الياقات البيضاء-هيئات سوسيومهنية –رجال الصحافة والاعلام-الهيئات الحقوقية – المنتديات الفكرية والثقافية…)؛
  • ضمور منسوب القيم على حساب بروز النزعات المصلحية والبراغماتية الذاتية والوصولية بشكل لافت؛
  • غياب الديمقراطية الداخلية وانحسار دوران النخب واستعمال مختلف الأساليب  الملتوية في تدبير وتسيير الشؤون الداخلية لهذه الفئة من الأحزاب وهيمنة القيادات الوصولية على حساب المناضلين والكفاءات النضالية؛
  • تدني مستوى التكوين والأخلاق السياسية في هياكلها مما أدى إلى انهيار الخطاب السياسي وسقوط هؤلاء الفاعلين الحزبيين في مستنقع الشعبوية والتهريج والإسفاف والانحدار في السلوك والممارسة…

 

أمام هذا الوضع المأزوم الذي يطبع جزءا من المشهد الحزبي ببلادنا، الذي أضعه في كفة السلبيات، والذي لا يجعلني، كما لا يجعل ملايين المغاربة مثلي، سواء من المنتمين إلى الأحزاب، أو من الأغلبية الواسعة لفئات المجتمع الغير معبر عنها حزبيا، مرتاحين تمام الارتياح لواقع و مستقبل الجسم الحزبي باعتلالاته الراهنة التي تطبع بعض مكوناته، و ما يشكله ذلك، إن استمر، لا قدر الله، من خطر حقيقي على التجربة الديمقراطية الواعدة ببلادنا، الأمر الذي يستوجب في اعتقادي الاحتكام إلى المقتضيات الدستورية المتعلقة بالأحزاب السياسية وكيفية تأسيسها وتسييرها وتدبير شؤونها على أسس ديمقراطية، وقيامها بالمهام المنوطة بها في التأطير والتكوين والتمثيل، و تشجيع المواطنين والمنخرطين على المشاركة في الشأن العام.و بالتالي تعديل وتحيين الإطار التشريعي والقانوني للأحزاب السياسية.

 

11. هل الأحزاب التاريخية والعريقة في المغرب تضع الكوادر الكفؤة والطاقات الحزبية الجادة في مكانتها اللائقة بها؟

انحدار الأخلاق السياسية، وتردي الخطاب والممارسات والعقليات يؤشر ويبشر لا محالة بعض”القلاع ” الحزبية إلى الموجة الثالثة “للربيع الديمقراطي الحزبي”

إن بعض الأحزاب التي تفضلتم بذكرها لا تشكل استثناء عن القاعدة وعن ما سبق ذكره، من إشكاليات واختلالات مرتبطة ببعض مكونات الجسم الحزبي ببلادنا. ولكم أن ترصدوا بالعين المجردة ما تفرزه الوقائع والأحداث والممارسات الغريبة التي ترشح في كثير من الأنشطة والمؤتمرات الحزبية والاستحقاقات الانتخابية، ناهيك عن كونها لا تلتزم في أحسن الأحوال حتى بالبرامج والأفكار التي سطرتها لنفسها، وفي أسوئها تتخذ تدابير وقرارات خارج هيئاتها التقريرية التي لا تجتمع أصلا في مواعيدها، أضف الى ذلك عا نتابعه في أحيان أخرى من تعاليق و ملاسنات و حكايات وطرائف. كل ذلك يجعلني أصف هذا المشهد بمقولة العالم الفيزيائي اينشتاين: “من الحماقة أن تعيد نفس التجربة بنفس المعطيات وتنتظر نتيجة معاكسة”.

لكن السؤال الذي لربما تحذوني الرغبة لو طرحتموه هو الآتي: “هل يمكن للمجتمع المغربي أمام التحديات الداخلية والخارجية الكبرى المطروحة على بلادنا، المراهنة على هذه النوعية من الفاعلين في المجال الحزبي، وبالتالي رهن مصير أمة بيد بعض مكونات “النخبة” السياسية والحزبية الغير الناضجة؟

 إن منطق الحتمية التاريخية قد علم البشرية بأن الطبيعة لا تقبل الفراغ، لذلك، فان انحدار الأخلاق السياسية، وتردي الخطاب والممارسات والعقليات يؤشر ويبشر لا محالة بعض”القلاع ” بالمشهد الحزبي بالموجة الثالثة “للربيع الديمقراطي الحزبي”.

 

12. شكل المغرب الاستثناء في العالم العربي بعد 2011، في تقديركم، هل سيؤكد المغرب ذلك و يظل الاستثناء بعد الاستحقاقات المقبلة؟

لا أعتبر النموذج المغربي استثناء، بل القاعدة الأصيلة ونموذجا يحتذى، والاستحقاقات الانتخابية المقبلة لن تكون إلا لبنة أخرى تنضاف في البناء الديمقراطي لبلادنا كيفما كانت النتائج المتحصل عليها لهذا الحزب أو ذاك

بداية دعني أتوقف قليلا عند تدقيق كلمة “الاستثناء” هاته. وشخصيا، لا أستلطفها كتعبير عن التجربة الديمقراطية المغربية. أنا أفضل الحديث عن النموذج المغربي وتميز سياقه التاريخي والحضاري وكذلك تميز معطياته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والسوسيوثقافية عن غيره من السياقات الإقليمية والقارية. فكما تعلم، حينما نريد مقارنة سياقنا بكل تلك الخصوصيات التي ذكرت لك، بسياقات مجالية ومجتمعية أخرى مختلفة، تكون المقارنة في اعتقادي غير موفقة. وكما تفيد المقولة الشهيرة “لا مقارنة مع وجود الفارق”. وبناء عليه، أتصور أن الاستثناء هو ما وقع في السياقات الأخرى، بالمعنى الرياضي للكلمة (الاستثناء لا يقاس عليه)، و هو عادة يراد به خروج عن القاعدة، ويدخل في نطاق الحالات الخاصة. وأنا لا أشك بأن من يوظف هذا التوصيف في الحالة المغربية يفعل ذلك من منطلق التنويه بالتجربة المغربية. بيد أن المنطق السليم يفيد بأن عبور المغرب لمخاضات ما اصطلح عليه بالربيع العربي، بهدوء وثقة وذكاء مرده بالأساس إلى رسوخ قواعد الدولة المغربية، وثبات أركان  مؤسساته السياسية والدستورية لقرون خلت، وعلى رأسها المؤسسة الملكية، وإجماع مكونات الأمة على هذا الاختيار منذ القدم. و بذلك من الأجدر عكس الآية، بحيث يمكن تحليل الأحداث والتحولات التي أفرزتها مخاضات ما سمي ب”الربيع العربي”، في سياقات متباينة، بكون بعض النتائج البارزة لهذه التحولات، تمثلت في انهيار أنظمة ونماذج معينة في الحكم، في مجملها عسكرية، أوتوقراطية، شمولية، وفي أحسن الأحوال قائمة على نظام حزب الدولة الوحيد. من هنا، لا مجال للمقارنة أولا، من حيث المعنى، كما أنه بالنظر إلى عراقة وثبات ونضج وانفتاح نظام الحكم في المغرب الدائم، واعتماده على قيم التعددية الفكرية والسياسية، في ظل ثوابت راسخة ومشتركة للأمة، ناهيك عما يحظى به هذا النظام من شرعية ومشروعية، على المستويين التاريخي والديني، لا يمكن أن يكون النموذج المغربي سوى القاعدة الأصيلة، وقد يمكن اعتبار بعض النماذج الأخرى استثناء. 

وبالعودة لمسألة الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، أود التأكيد على أن هذا التمرين الديمقراطي لن يكون إلا لبنة أخرى تنضاف في البناء الديمقراطي لبلادنا. وأعتقد جازمة بأنه كيفما كانت النتائج المتحصل عليها لهذا الحزب أو ذاك، فهي لن تزيد إلا  تثمينا وتعزيزا للتوجهات الأساسية المتوافق عليها داخل المجتمع منذ عقود، و ربما ميزتها عن سابقاتها كونها تنظم بعد دستور2011. بل نأمل أن تقدم إضافة نوعية من خلال ما ستفرزه نتائجها سياسيا، وما ستطرحه من رهانات وإمكانات حقيقية، في مسار الديمقراطية التشاركية، وإفراز نخب تدبيرية مهمة، وبالتالي ما ينتظره الشعب المغربي منها، وأساسا التطلع إلى فتح صفحة جديدة في مسار التنمية المحلية المندمجة والرقي بالتدبير المجالي للبلاد بما يحقق سبل العيش الكريم، والنهضة الاقتصادية والاجتماعية والسوسيوثقافية المنشودة، في ظل دولة المواطنة والحرية والمناصفة والمؤسسات التي يؤطرها الدستور و ينظمها القانون. وبالتالي يمكن اعتبار هذه الاستحقاقات مدخلا أساسيا لتوضيح معالم الخريطة السياسية و إبراز  الفاعلين الأساسيين في المجال، وبالتالي، قد تشكل هذه الاستحقاقات بالنسبة للأحزاب السياسية المتبارية مناسبة حقيقية لقياس مستوى التطور الذي وصلت إليه التجربة الديمقراطية ببلادنا، ناهيك عن كون هذه الانتخابات الجماعية، ستشكل بالنسبة للأحزاب المتبارية فيها الأرضية التي ستمكنهم من التحضير بشكل أوضح لخوض التشريعيات المقبلة عند متم الولاية الحكومية الحالية. وتأسيسا على كل ما سبق، أعتقد بأن الرهانات المطروحة تستوجب من الهيئات السياسية التعامل معها بما يليق من جدية وعمل ميداني واحترام لمقتضيات الدستور والقانون، واحترام قيم الحوار والتسامح والحق في الاختلاف وحسن تدبيره، في جو من التباري الشريف والإقرار في النهاية  بما ستفرزه صناديق الاقتراع، تقديرا واحتراما لإرادة الناخبين.

 

13. سؤال حول دبلوماسية المجتمع المدني، على غرار الدبلوماسية السياسية والبرلمانية، هل فكرتم في إطار عملكم الذي يعتمد على سياسة القرب، الاشتغال مع مغاربة العالم و خوض تجربة الدبلوماسية من بوابة المجتمع المدني؟

أوجه نداء إلى مغاربة العالم، لتقاسم التجارب في مجال الدبلوماسية الموازية، عبر عقود شراكة، ترعاها الدولة المغربية، في نطاق الدستور وتعزيزا للأواصر والصلات بين أبناء الوطن الواحد

بطبيعة الحال، فاننا خلال التجربة التي راكمناها منذ 13 سنة في منظمة فضاءات الإبداع والتنمية، كانت مسألة الديبلوماسية الموازية إحدى المحاور الأساسية في برنامج عملنا وفي مختلف المجالات الإبداعية والتنموية التي راكمنا فيها تجربة جد معتبرة، لا من حيث السبق الفكري والأداء الميداني للمنظمة في هذا المجال، ولا من حيث الرصيد الجد مشرف لما جمعته و كونته في مسارها من كفاءات و خبرات بشرية فاعلة و متميزة أضحت جد مرموقة في المجتمع. وللتذكير فقط، فبعد مرور بضعة أشهر على تأسيس المنظمة استدعينا و استقبلنا شبكة من الجمعيات المغاربية والمتوسطية المنضوية تحت لواء اتحاد هيئات البحر الأبيض المتوسط،  ونظمنا سلسلة من اللقاءات والأنشطة بشراكة معها في مجموعة من المدن المغربية، كما نظمنا بهذه الشبكة لقاءات مع مسؤولين رسميين ومع بعض الفرق النيابية بالبرلمان، وذلك إيمانا منا بالدور الذي يمكن للمجتمع المدني أن يقوم به في إطار دعم السياسة العامة للدولة، والترافع لدى المنظمات المدنية والأهلية غير الحكومية، خارج أرض الوطن، بما يخدم المصالح العليا للوطن، وفي مقدمتها قضيتنا الوطنية الأولى، قضية الوحدة الترابية؛

وبعدها توالت الأنشطة والمبادرات المختلفة للمنظمة على هذه الواجهة، كان من أهمها تنظيم الملتقى الوطني الأول للأطر سنة 2006 بشراكة مع اتحاد طلاب وشباب العالم العربي، ولعل آخرها، دعوة واستضافة ممثلي طلاب وشباب بعض الدول العربية الشقيقة، و أكثر من 15 دولة يمثلون المجال الإفريقي، طيلة أشغال وأيام المؤتمر الوطني الثاني للمنظمة المنعقد ببوزنيقة بيناير 2013.

وفي  الآفاق المنظورة نغتنم هذه الفرصة، لكي نوجه من خلال منبركم هذا، نداء إلى كل أبناء وطننا الحبيب  من مغاربة العالم، كي نتواصل أكثر ونتبادل الأفكار والخبرات، ونتقاسم تجاربنا في مجال الدبلوماسية الموازية، عبر مشاريع للتبادل والتعاون، وعقود شراكة، ترعاها الدولة المغربية، في نطاق الدستور وتعزيزا للأواصر والصلات بين أبناء الوطن الواحد، في الداخل والخارج، تكريسا وإشعاعا لقيم حضارتنا العريقة في مجال التضامن، والتعاضد والتآزر بين أبناء الوطن، ونحن من جهتنا، نؤكد لكل الراغبين في الانخراط في هذا المشروع النبيل، عن استعدادنا والتزامنا المبدئي للإسهام في كل مبادرة من هذا النوع، يكون لها النفع والأثر الطيب على البلاد والعباد. وأبشركم في هذا الصدد أننا قد شرعنا منذ مدة في تهيئ وبلورة بعض المشاريع الهامة في هذا الصدد سنعلن عنها في الوقت المناسب.

 

تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد