بقلم: ذ. محمد بدران
إدانة المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان لإيطاليا في قضايا “سليمانوفيتش” وطوريدجاني” وأحداث سجن “بوستو آرتسيزيو” و”بياتشينسا” تعد خرقا واضحا لكل الاتفاق والمعاهدات الدولية وانتهاكا صارخا للمادة 3 من اتفاقية 1950 الخاصة بحقوق الإنسان التي تحظر التعذيب والإهانة والتصرفات اللاإنسانية في حق نزلاء السجون .
إن كان هذا هو حال دول بعينها في بداية الأزمة الاقتصادية التي هزت عروش اقتصاديات كانت بالأمس القريب قبلة للباحثين عن المال والجمال أو راحة البال فما بالك اليوم الذي تصاعدت فيه وثيرة الوقائع وتغيرت من أجله مجاري الأحداث ،كثير منا من تألم لمصاب قريب أو تعاطف مع شخص بعيد من جاليتنا الحبيبة القاطنة بإيطاليا وما عرفته من حالات تغريب وتمزيق منها من ضمه حب الوطن ومنها من تعلق بأحضان غريبة بعد ركوب موج الشتات. من منا تذكر أو سأل نفسه ولو مرة في مصير العديد من انطفأت أمام عيونهم شموس الحياة بعدما كبلتهم تهم وأطاحت بهم قضايا تافهات يحسبها العقلاء واهيات تبكيها نفوس يائسة من وراء قضبان الحديد في انفلات مكبلة الجناحين، جناح مثقل بالمعاناة وجناح محروم من الحريات وبينهما دمعة أمل وفرج وطول نكبة ومأساة ،إنها فلسفة السجون والمعتقل لما يطول السبيل ويضيق صدر الحل بالنزيل ولم يعد له بديل يختلط عنده الأمل بالغبن والألم.
تتعدد اللقاءات الحميمية في استقبال أصوات تعد على الجالية المجلية وتتجدد المنتديات والمؤتمرات خارج وداخل الوطن الحامية لتسجيل كلام معسول وصور وذكريات أرشيف وأكل وشرب وهدايا وتشريف من صيف لصيف تبقى في الغالب ذكرى ضيف في جو لطيف وتنتهي المسرحية.
شاءت الظروف قبل أسبوع في حلة بهية أن تفتح قاعة مؤتمرات فندق سوفيتيل لتستقبل حدث المنتدى الدولي الأول للمحامين القاطنين بالخارج في أجمل احتفالية ،حضرها 45 محاميا ومحامية وبحضور مشرّف لأكبر تمثيلية: من وزارة العدل والحريات ووزارتا الداخلية والشؤون الخارجية والتعاون والعمل والشؤون الاجتماعية، ومؤسسة الحسن الثاني للمغاربة القاطنين بالخارج ومجلس الجالية ،ومجموعة لا بأس بها من اتحاد المحامين بالمغرب، وإطارات من صندوق الوطني للضمان الاجتماعي ومن قضاة المحكمة العليا.
قيلت خلال هذا الحفل البهيج أبهى الكلمات وألقيت فيه أجمل الخطب كلها من ياقوت ومن ذهب ،أعجبني من بين ما أعجبني الحديث عن انشاء شبكة المحامين المغاربة بدول الملجأ وفكرة تسهيل مأموريتهم بالمنشأ فلا غرابة في اعتقادي ولا عجب.توجتها من إيطاليا كلمة من مسك وريحان تلتها الأستاذة كوثر بدران تحت عنوان :سجناؤنا بالمهجر بين جور القوانين واللامبالاة والحرمان. متحدثة عن تقديم مشروع جديد للحكومة المغربية يهتم بحماية هذه الشريحة داخل السجون يضمن لها قسطا من الأمان وحفنة من حقوق الانسان.
في وقت قصير لخصت هذا المشروع بلغة موليير: مطالبة بتوقيع بروتوكول اتفاق يحمي السجناء والسجينات ويساعد على تنسيق العلاقات وتقريب المسافات من أسرهم في كلتا البلدين يسهل التواصل ويحد من المشاق مع إدارات السجون والمحاكم والتمثيلية المغربية على مستوى عال يدخل في هذا النطاق.باعتبار جهل القانون المصحوب للضعف التربوي والثقافي والتعليمي خاصة في هذه الظرفية الدولية الصعبة وما تعيشه دول من نخر في اقتصادها وخراب جراء أزمات اقتصادية ومالية وغيرها من الأسباب كشفت عن خباياها النقاب ففتحت على جاليتنا أبوابا من التضييق والعذاب سببها الفوضى و الكراهية والعنصرية والإرهاب أقل ما يقال عنها هو الخراب وقانون الغاب .
بلا شك سيلعب هذا المشروع دورا جوهريا في مجال التوعية والتحسيس على الصعيدين الإنساني والاجتماعي سيرضي صناع القرار بخلق جو من الأمن والاستقرار يعيد الكرامة والاعتبار. وهذه بعض بنود هذا المشروع باختصار:
ـ إنشاء مكتب مركزي مع توفير البنية التحتية والموارد البشرية
ـ التعاون مع مؤسسات ومنظمات وجمعيات تتقاسم نفس الأهداف والمرامي
ـ إطلاق رقم أخضر وطبع دليل قانوني خاص
ـ إقامة ندوات ومؤتمرات وتكوين وتدريب
ـ ربط مذكرات تفاهم مع إدارات السجون للقيام بزيارات للسجناء وتقييم الشروط القانونية
ـ التدخل والتعاون القانوني والحرص على التوابث الدينية والاجتماعية والثقافية والوطنية.
ـ مسايرة التشريعات الدولية والوطنية والوقوف على كل التغييرات والتحولات.
ـ لعب الدور الطلائعي في التقارب بين إيطاليا والمغرب والمصالح المشتركة بينهما.
سيوضع الدليل القانوني الخاص بالمساجين رهن إشارة كل السجون والمؤسسات والمنظمات والجمعيات المشاركة كما سيكون الرقم الأخضر وقسيمة الاتصال في متناول كل السجناء وسيوقع اتفاق مع مديري السجون طبق المادة 18 من قانون 26 يوليوز 1975.
هذا وسيتم الاتصال المباشر بالقنصليات المغربية بإيطاليا أبدت قنصليتان استعدادها للتعامل في المشروع : قنصلية ميلانو وقنصلية فيرونا طبقا لاتفاقية فيينا الخاصة بالعلاقات القنصلية والتي تلعب دورا رئيسيا في التواصل والتعامل في الحالات المستعجلة كالطرد مما سيسهل عملية البحث في شروط الاعتقال والاستشارات القانونية والاتصال بأهل السجناء والبحث عن أقصر الطرق وأنجعها آلية خاصة في الحالات المستعصية أو الإنسانية التي تتطلب تطبيق اتفاقية ستراسبورج الخاصة بقضاء المدة السجنية المتبقية في البلد الأصلي .كما تتطلع الأستاذة بدران إلى تفعيل اتفاقية سنة 2014 الموقعة بين السيد مصطفى الرميد وزير العدل المغربي ونظيره الإيطالي “أندريا أولاندو” المتعلقة بتبادل السجناء المحكومين والتي لم تفعل حتى الآن وبقيت حبرا على ورق بين الوثائق العالقة أو المطوية .
عبرت الأستاذة عن فرحتها وأملها في انشاء لوبي قوي يتمثل في “شبكة للمحامين المغاربة المقيمين بالخارج”لإسماع صوتهم وتبادل تجاربهم وخبراتهم داخل وخارج الوطن من أجل تسهيل مهامهم ، كما حثت على ضرورة التسريع لوضع استراتيجية موحدة لتنمية وتطور المغرب والدفاع عن قضاياه الوطنية العادلة ومصالحه العليا مواكبة للدينامية التي يشهدها الوطن في الظرفية الحالية مع الوقوف على التدابير الشجاعة والإجراءات القوية الكفيلة بالتخفيف من معاناة الجالية والحث على توفير الدفاع اللائق والحماية القانونية والاجتماعية التي تحتاجها خاصة في الظروف الحالية.
واليوم بعد مرور 6 سنوات على استجابة إيطاليا والتزامها لبنود هذا القانون المخزون وأمام مسارها الديمقراطي البطيء نحو الحد من عدد السجناء والسيئ في تحسين وضعية السجون في انعدام الامكانيات وغياب الحلول، سنختم بهذا السؤال إلى حكومتنا الموقرة: أي حظ لهذا المشروع وهل أن تستصغيه الآذان لنراه في يوم بعين اليقين أم أن انتظاره سيطول ويطول وكالعادة لا شيء يكون؟